“ليلة الجمعة”
جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
المتأمل في أحوال المجتمع العربي والإسلامي يرى كم هو حجم المبالغة في الابتعاد عن الله تعالى لدى البعض، وذلك بالجهر باقتراف الذنوب والمعاصي والموبقات خصوصاً في ليلة الجمعة التي تعد من أهم الليالي التي ميزها الله تعالى وفضّلها من بين سائر الليالي والأيام، والتي وردت فيها الكثير من النصوص النبوية التي تحث الناس على التقرب إلى الله تعالى، وقد سماها الباري عز وجل بالجمعة وذلك لجمعه تعالى للبشر من الأولين والآخرين بكل أعراقهم ومكوناتهم وثقافاتهم من الإنس والجن، وأخذ منهم الميثاق له سبحانه وتعالى ولنبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعل من ليلة الجمعة ويومها عيداً سعيداً لعموم المسلمين على الأرض، وورد أن الله تعالى يعتق فيها عباده من النار ويغفر لهم، وتضاعف فيها أعمالهم، ومن أهم الأعمال المباركة التي ينبغي أن لا يغفلها الإنسان في ليلة الجمعة ويومها في الداخل الأسري والاجتماعي هو: الاهتمام بالصلوات المفروضة والمندوبة، وإخراج الصدقات للفقراء والمساكين، وقراءة القرآن الكريم وتلاوته وتدبر آياته، والدعاء لله تعالى بتوجّه وخشوع وخضوع، والإكثار من ذكر الصلاة على النبي محمد وآله النجباء، والابتعاد عن المعاصي والذنوب والموبقات.
وورد عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: ليلةُ الجمعةِ، ويومُ الجمعةِ أربعٌ وعشرونَ ساعةً، للهِ تعالى في كلِّ ساعةٍ منها ستمائةِ ألفِ عتيقٍ منَ النارِ، كلُّهم قدِ استوجبوا النارَ.
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو حفيد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: اِجْتَنِبُوا اَلْمَعَاصِيَ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ، فَإِنَّ اَلسَّيِّئَةَ مُضَاعَفَةٌ وَاَلْحَسَنَةَ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَرَكَ مَعْصِيَةَ اَللَّهِ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ كُلَّ مَا سَلَفَ فِيهِ، وَقِيلَ لَهُ اِسْتَأْنِفِ اَلْعَمَلَ، وَمَنْ بَارَزَ اَللَّهَ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ بِمَعْصِيَتِهِ أَخَذَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ مَا عَمِلَ فِي عُمُرِهِ وَضَاعَفَ عَلَيْهِ اَلْعَذَابَ بِهَذِهِ اَلْمَعْصِيَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْجُمُعَةِ رَفَعَتْ حِيتَانُ اَلْبُحُورِ رُؤوسَهَا وَدَوَابُّ اَلْبَرَارِي ثُمَّ نَادَتْ بِصَوْتٍ ذَلِقٍ رَبَّنَا لاَ تُعَذِّبْنَا بِذُنُوبِ اَلْآدَمِيِّينَ.
إن النصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن عترته الطاهرة وصحبه الأجلاء الكرام كلها تنص على أهمية ليلة الجمعة ويومها، وتركز على استغلالها الاستغلال الأمثل في طاعة الله تعالى وذلك لمضاعفة الأجر والثواب لنيل الخيرات والبركات من عند الله تعالى، ولكن من المؤسف عندما ترى بعض المجتمعات التي تدنس شرف وقدر ليلة الجمعة ويومها بالتجرؤ على الله بإظهار الفساد والجور والعصيان.
فهل يا ترى يصح استغلال ليلة الجمعة بإحيائها بالغناء والطرب والمجون؟
وهل يصح إحياءها بإقامة الاحتفالات المختلطة بين الرجال والنساء بلا حسيب أو رقيب؟
وهل يصح إحياءها بزيارة الملاهي والمراقص ولعب القمار وشرب الخمور؟
إن من الموارد المهمة التي ينبغي التركيز عليها هو تثقيف المجتمع بثقافة الحلال والحرام، وتعريف المجتمع بأهمية احترام الليالي والأيام المباركات كليلة الجمعة ويومها وليلة القدر ويومها وغيرها من الليالي والأيام التي باركها الله تعالى، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ.
هناك مسؤولية عظيمة لا بد أن يتحملها المربون في الوسط الاجتماعي والأسري أذكر بعضها:
• الأسرة يجب تثقيفها بثقافة الحلال والحرام من خلال احترام الليالي والأيام المباركات واستغلالها في طاعة الله تعالى، وهي مسؤولية ملقاة على عاتق الوالدين بالدرجة الأولى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
• المجتمع يجب تثقيفه بثقافة الإسلام الأصيلة وهي مسؤولية كبيرة يجب أن يتحملها المربون كالآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات من خلال المدارس والكليات والجامعات والمساجد، ولك لاحترام أيام الله ولياليها، وتوعية الناس بأهميتها واحترامها بهدف صناعة المجتمع الناجح.
• الإعلام له مسؤولية عظيمة في نشر الثقافة الإسلامية وتغذية المجتمع بأهمية الحلال وتجنب الحرام ومراعاة الذوق العام في ما يعرض على شاشات القنوات الفضائية العربية والإسلامية، سواء من حلقات أو برامج أو حوارات أو أفلام أو غيرها، فهي يجب أن تكون مبنية على الصدق واحترام عقل المشاهد.
• الدولة هي أيضاً من تتحمل المسؤولية الكبرى في تنظيم وتثقيف المجتمع وإبعاده عن المحرمات وذلك بسنّ القوانين الرادعة التي تنظم الحياة الاجتماعية بحيث تساعد المجتمع على الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان، لذا نتمنى أن يعي مسؤولو الدول العربية والإسلامية أهمية توعية وتثقيف المواطنين الكرام بالقوانين الرادعة، حتى يتعرف الجميع على ثقافة القانون الذي سينعكس حتماً على تصرفات أفراد المجتمع ويجنبهم الوقوع في الفساد الاجتماعي.
ختاماً: إن المجتمع الناجح كلما ابتعد أفراده عن المنغصات والسلوكيات السيئة كلما أبدع في انتاج الخيرات والبركات لنفسه، وهذا لا يكون إلا بتعاون الجميع في تطبيق القانون وذلك من خلال احترام الليالي والأيام وعدم تدنيسها بالمخالفات الشرعية والقانونية.