حِـسْبة مُـواطِنْ..
فؤاد آلبوسعيدي
siaq2007@yahoo.com
مدخل:
(الإنتقاد هي حالة شعورية تكاد تنعدم فيها الرّضى عن أمرٍ ما، وهي تنبيه لوجود أخطاء متكررة وغير مستحبة أو عدم وضوح للرؤية، وهي أيضاً قد تكون دعوة ونصيحة تقويمية للسّلوك الظّاهر أمامنا، فمن لا يقبل أن يُنتقَد لن يُعدّل ويُقوّم أخطاؤه أبداً.)
هنالك بعض الأمور إن قام شخصاً بالتحدث عنها أو لنقل بالكتابة فيها أو حولها لربّما تغيّرت نظرات وآراء الآخرين إليه، أحياناً قد نقوم بفرد الأحاديث وجمعها حول أمور شتّى، وقد تكون كلماتنا حينها غير مُرحّبة لدى البعض، أو قد تظهر بطريقة مغايرة عما نريد توضيحه، فيتصورها الآخرون بنظرتهم التي تنمّ عن السّلبية عند سماعها أو ربّما عند قراءتها إن كانت حروفاً مكتوبة.
بعض الأمور المفترض أن تكون من البديهيات المعروفة قبل الحكم عليها، وقبل إتهام الآخرين بأحكام قد تكون جائرة وهي ربّما إتهامات باطلة وغير صحيحة، فتتناقض ولا تعبّر عن صحة ما فيها من صواب.
لذلك ليعلم المُتلقّي والقارئ لهذه السّطور:
إنّما نحن أمّة معروفة بالصّبر منذ مئات من السّنين، نحن مجتمع عبر تاريخنا الطويل عُرفنا بأخلاقنا السّمحة، وأيضاً بتمسكنا بحبّ من يقودنا وينظر في شؤون وطننا ويرعى مصالحه، نحن شعباً نحبّ بلدنا ومنذ ولدنا زُرع في قلوبنا الإخلاص التّام والولاء المطلق، والوفاء العميق لقاداتنا وقياداتنا الرّشيدة والحكيمة في كلّ الأزمان، وهنا نحن لنا الحقّ حسب الحرية التي منحتها لنا الحكومة في أن نقول ونوضّح بأنّ اختلاف الأقوال وتعارض الآراء بين ما يراه المواطن، وبين الإتّجاهات وبعض القرارات الحالية التي اتخذتها بعض المؤسّسات الحكومية لا يستوجب أن نخوّن فيها كلّ من قال رأيه فيما يخصّ أيّاً من الأمور التّي وقعت ولم تنال إعجاب المواطن، سواءاً أكان ما يقوله أو يكتبه صائباً أو مخطئاً في أفكاره.
أحياناً العدالة لا نطلبها من أجلنا، ولكن قد نريد أن نراها تصل لغيرنا أولاً، ثمّ لكي تصل كذلك إلينا بصورة نرضاها وقد حققنا ما كنّا نصبو إليه، إنّه من العدالة أن نوصل الفكرةَ سليمة وتامّة إلى بعض العقول وذلك قبل أن ينجرّ ويستبق أحدهم فيصدر الأحكام المستبدّة والغليظة في وصفها والغير لائقة علينا.
المختصر وبوصف سهل وبسيط، فإنّ الخائن سياسياً إنّما هو من يكره ويُعادي سرّاً وربّما جهراً حكومة وقيادة بلده، أنّه من العدالة الحقّة في الأوقات التي تجمع بين العتب والإنتقاد في الأحاديث أن نستذكر قول الرّاحل عن دنيانا هذه، والخالد في قلوبنا قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- حيث قال في إحدى أحاديثه.. (لا لمصادرة الفكر).
…
تمضي القافلة ونحن معها في الخلف نسير:
-ما هي هذه الضّريبة الجديدة (القيمة المضافة)؟
هي ضريبة غير مباشرة تُفرض على الاستهلاك، أو بمعنى آخر المُستهلك النهائي والمحلي المباشر لجميع السلع والخدمات، وباستثناء بعض الأغذية والعقاقير الدوائية الأساسية والسلع المعفاة من الضرائب مثل الصادرات، حيث يتم فرضها مُسبقاً في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، بدءاً من مرحلة استيراد المواد الخام، وإلى أن تصل إلى مرحلة البيع النهائي للمستهلك، وذلك بناءاً على السعر المُضاف في كل مرحلة، وهي تختلف في كلّ دولة عن أخرى، وخليجياً تمّ التوافق على نسبة موحّدة تساوي ٥% يتحملّها المستهلك النهائي للسّلعة.
…
-أهمية الضريبة المضافة في نظرة الإقتصاديين:
يوماً بعد يوم يكثر الكثير من الكلام حول نسبة الــ ٥% لضريبة القيمة المضافة التي أعلنتها واتّخذتها الحكومة من ضمن عدة حُزم وخطوات تصحيحية وعلاجية كثيرة حسب ما خُطّط واقْتُرِح في رؤية_عمان_٢٠٤٠، وفي غيرها من الإجراءات التي رُسِمَت واتّخذَت جرّاء استمرار العجوزات في الموازنة العامة(المالية) للدولة المستمرة منذ عدة سنوات بسبب الإنكماش في تسعيرة البترول في الأسواق العالمية.. فأُريدَ منها تخفيف الضّعف الذي أصاب الإقتصاد الوطني العماني كغيره من الإقتصاديات في الدول المختلفة وعلى نطاق العالم، والذي أجّجه أكثر الوضع الراهن الذي ما زال يتأثر بجائحة الكوفيد-١٩.
(حسب توقعات الإقتصاديين فإنّ ضريبة القيمة المضافة سترفد إيرادات حكومية بـ300 مليون ريال عماني في 2021 أي نحو 780 مليون دولار، 400 مليون ريال في 2022).
…
-تأثير الوضع بعد الضريبة على المواطن البسيط:
أصبحت التعرفة الضريبية الجديدة عالة ومعاناة جديدة تؤثر سلباً على جيوب المواطن والمقيم على حدّ سّواء، والتي من الأساس هي جيوباً طالها التأثر منذ فترة طويلة بفعل السياسات والأوامر الإقتصادية التحفيزية والسّريعة التي اتخذتها الحكومة في سابق الأعوام، والتي قد يقال بأنّ معظمها قبل إقراره وتشريعه لم يأخذ الوقت الكافي لدراسته ومعرفة مدى ما سيلحق بالمواطن من تأثيرات بسببها وكمثال..(تسعير أسعار المحروقات محلياً، وقرار منح الأراضي الحكومية الجديد وقانون العمل الجديد) وهي من الأوامر التي أصابت الكثيرين بالإحباط لأنها خالفت مقولتين لطالما آمن بهنّ المواطن العماني..
(العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، ومقولة لا مساس بجيب المواطن).
المتغيرات الإقتصادية الكبيرة وأثرها في نظرة حسابية متواضعة للمواطن تكاد تكون موحّدة وليست متباينة بين هذا الشخص وذاك، فالجميع وربما نقول الغالب من النّاس أكان مواطناً أو مقيما ً قد بدأ يستشعر هذا الثقل الكبير والكاهل الجديد الذي يستنزف موارده المالية التي كانت بالكاد تكاد تكفيه إلى نهاية الشهر، المتغيّرات الإقتصادية المُلزمة للأسف لم تأتي في وقت يناسب أبداً المواطن العماني تحديداً، وخصوصاً إذا ما نظرنا إلى كون المقيم الأجنبي تكاد تكون مجمع فاتورته الأساسية من (الكهرباء والماء والإتصالات) مدفوعة في أغلبها من قبل أغلب الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي قامت بالتعاقد معه للعمل في عُمان، وفقط هو عليه أنْ يتحمّل فاتورته من المواد والضّروريات الإستهلاكية التي يقوم بشرائها.
…
تساؤلات:
١-هل الحكومة قامت باللّازم وذلك بعد إعلانها عن (وقبل التطبيق الفعلي) موعد ضريبة القيمة المضافة؟
*إيضاح الخلفيات التي منها أو بسببها قامت الحكومة باتخاذ وتشريع أي قرارات تمسّ جيب المواطن كانت على الأقل ستكون برداً وسلاماً حتى وإن كانت قرارات مؤلمة تضرّ بالمواطن، ففي كلّ الأحوال المواطن يهمه الوطن في المقام الأول (لم يكن كافياً).
*للأسف الجهة المعنية بتطبيق الضرائب الجديدة لم تقم ولم تبادر جيّداً بدورها الفعّال خلال الفترة ما بين اتخاذ قرار الضريبة المضافة الجديدة وما بين تاريخ التطبيق، وذلك من حيث تكثيف النشرات التوعوية الإعلامية في الوسائط والوسائل التي يسهل بها تمرير القرارات لتصل بطريقة سلسة لجميع من تمسّهم تلك القرارات.
٢-هل المواطن مستعد نفسياً ومتقبل الواقع الجديد؟.
*الأمر الجديد طبقّ في وقت غير مناسب أبداً، الضريبة المضافة الجديدة هي عامل ضغط شديد في ميزانيات ومداخيل المواطن والمستهلك المتهالكة أساساً بسبب ضعف الرّواتب، وكذلك بسبب تخفيض رواتب البعض نتيجة للحالة الإقتصادية المتأثرة بفعل جائحة الكورونا العالمية، نعم فالمواطن لا زال مكافح وصابر على الرّغم من كثرة وشدة الضّربات المتلاحقة التي توجّه إليه بقصد ودون قصد أحياناً.
*الرواتب وخصوصاً عند من يستلمون الحدّ الأدنى منها حسب ما سنّته القرارات الصّادرة لم تعد تكفي، بل يمكن توضيح أحوال البعض بأن رواتبهم ما كانت تكفيهم في السابق أبداً، ومع الضريبة المضافة الـ ٥% فإنّ الوضع قد أصبح كصفعة مؤلمة أخرى في الجانب الآخر من الوجه.
٣-ماذا يريد المواطن بعد تطبيق الضريبة المضافة؟
*على الحكومة أن تراقب منافذ البيع بكثافة أسعار السلع والخدمات على إختلافها وتقارنها بالدول الأخرى.
*(أنا أدفع ما عليّ من ضرائب إذا أنا لديّ حقوق كذلك)
نعم فيجب مراجعة سلاسل الخدمات المقدمة لدافعي الضرائب لتكون موازية في نفس المنحى الذي سارت إليه قوانين الضرائب الجديدة.
*هنالك حلول اقتصادية أكثر جدوى كانت لتفيد كذلك الإقتصاد العماني، مراجعة سياسة التعدين وما يخص جميع التراخيص التي منحت في السابق مراجعة شاملة من الألف إلى الياء، يجب أن توضع الثروة المعدنية كلّها في نفس الكفة التي وضعت فيها الثروة النفطية.
*قد يكون أكثر ما (وما كان) يحتاج إليه المواطن العماني وخصوصاً الذين تبدأ سقف رواتبهم في حدودها السّفلى، وكذلك معظم المتقاعدون وفئات الضّمان الإجتماعي بعد تطبيق الضريبة المضافة هو مراجعة سقف رواتبهم التي تكاد لا تفي بأدنى إلتزاماتهم المالية تجاه أسرهم في سبيل تحقيق ما قد نسمّيه بالأمان الأسري والمجتمعي.
…
بين المضاف والمضاف إليه:
إنّهم يبحثون عن ضريبة القيمة المضافة من المستهلك (المواطن) لتساعد وتساهم في تحقيق ولو جزء بسيط من الوفورات المالية التي تساهم في معالجة العجز المستمر، ونحن (أي المواطن) نريد ونبحث عن قيمتنا المضافة في هذا الوطن بعد مرور ما يزيد عن خمسة عقود من عمر نهضة بدأها الباني الحكيم الذي أسّس هذه النهضة سلطاننا قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ويُكمِل ويستمر البناء بقيادة رشيدة وحكيمة من الذي نحبّه ونُخلص له أبا ذي يزن سلطاننا هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه -، ومن هنا فقط نقول بأنه كان يجب الجلوس والمناقشة الشفافة بين الطرفين، وهما الحكومة وممثّلي المواطن (أي مجلس الشورى) قبل اتّخاذ هذا القرار الذي أحدث فجوة كبيرة وعميقة بين الحكومة والمواطن العماني.
…
خذوا الحكمة في بعض أقوال الشارع العماني التويتري:
*انتقادنا لعمل مسؤول أو لعمل مؤسسة حكومية لا علاقة له بحبنا لعمان والإنتماء لها..
الوطن شيء كبير جدًا لا تساووه مع أي أحد، ولا يوجد عماني لا يحب وطنه وسلطانه.
المواطن عندما ينتقدكم انصتوا له، النقد ليس خيانه ولا حرب ولا عداوة، اتركوا الناس تعبر عما في داخلها بدون “تخوين واقصاء”
(حمدة البلوشية-صحافية)
* إن لم تكن القيمة المضافة متبادلة بين حق الدولة الاقتصادي، وحق المواطن الاجتماعي والسياسي، فإنها ستتحول إلى المعاناة المضافة.
(د.خليفة الهنائي-محامي)
* الضريبة المضافة أرى أنها لن تكن حلاً للأزمة الاقتصادية التي نعيشها وتعيشها شعوب كثيرة، والحل الذي أراه مهماً وإيجابياً هو: استغلال ثرواتنا الطبيعية، ويمكن معها أن لا نشعر بأي أزمات أو تقلبات اقتصادية أو كوارث أو حروب، تنويع مصادر الدخل أهم الحلول الايجابية.
(د. عبدالله العليان)
* القيمة المضافة بدون معالجات، سَتشكّل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن، وقد تنّزلق الطبقة المتوسطة وهو احتمال وارد إلى الطبقة الدنيا، وتكثر معها ظاهرة الاستغاثات والمناشدات، وكل ذلك ينّعكس على شحّ توفّر السّيولة لدى المسّتهلك، وبعدها يؤثّر بطرق ما على حركة الأسّواق المتّصلة بالأقتصاد.
(حمد الصواعي-كاتب إعلامي)
ختاماً (نصيحة):
ليكن ما حدث من نقد وعتب كبيرين من المواطن بسبب تطبيق قرار ضريبة القيمة المضافة في هكذا ظروف هو درس حكيم وسهل الفهم لمختلف القيادات قبل إتخاذ أيّة قرارات أخرى صادمة للمواطن في المستقبل القريب، وذلك حتى لا يزيد عمق وبون الخلافات وتصل العلاقة إلى زاوية وحدٍّ لا يمكن بعدها السّيطرة على الأمور أبداً.
وفّقنا الله بالمشاركة والمساهمة ولو بالقليل البسيط في بناء نهضة هذا الوطن الغالي وإستمراريته كدولة عظيمة، ووفّق الله القيادة العمانية الرّشيدة والحكيمة بقيادة سلطاننا هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وجعلنا معه وبه نمضي بنهصتنا إلى أمجاد أكثر رقيّاً وسعادة.