لغتنا السامية …. لغتنا العربية
مشعل بن ناصر الصبحي
تعتبر اللغة من أهم مكملات الشخصية الإنسانية؛ كون اللغة ليست فقط رموز تكتب، وليست أصوات تلفظ، لتدل على الحروف التي تتشكل في الكلمات، ومن ثم تتشكل منها الجمل والعبارات، ولكن اللغة هي محور الأفكار والدلالات والتوجهات التي يحذوا بها البشر… واللغة هي المترجمة الحقيقية لمختلف الثقافات والهويات، ومرآة صادقة لمستوى التحضر والتطور عند مختلف الشعوب. وتعتبر لغتنا العربية هي المكون الرئيسي للهوية والثقافة الإسلامية.
وفي الحقبة التاريخية المتوترة التي تمر بها الأمة العربية في الوقت الحالي، خصوصًا في هذا المنحدر التاريخي الذي نشهد فيه شنّات لحملات تتغلغل فيها غزو فكري من مختلف القوى الإقليمية والدولية من أجل دفن هويتنا العربية، والتأثير على أبنائنا منذ نشأتهم، ونزعهم أو إحرافهم عن العادات والتقاليد والقيم الأصيلة، حيث تقود هذه الحملات لاستهداف عقول البشر وقيادتهم نحو التخلي عن هويتهم إلى العيش بهوية واحدة متحدة، تعرف اليوم باسم “العولمة” التي تزعم على أن البشر ينتمون كومة ثقافية واحدة.
واللغة هي أساس المجتمع الإنساني؛ ومن هذا المبدأ فإن اللغة هي نواة الأمة وتاريخها، فلا وجود لأي أمة إلا بوجود لغتها في مقدمتها. وهذا ما أكده لنا التاريخ على مر العصور أن كثير من الأمم التي اختفت لغاتها انتهت من الوجود ولم يبقى لها أثر، كما روى لنا التاريخ أن ما حضارة أو أمة تطورت وقامت إلا وازدهرت معها اللغة التي تتواصل بها، كون اللغة أشبه بالمصباح الذي ينير للإنسان طريقه في عبوره.
وقد أكد الادباء والعلماء على مر التاريخ أن اللغة هي أبرز معايير الانتماء للهوية الثقافية، فهي تعتبر أساس الفكر وعامل مهم في نجاح كثير من الأمم على مر التاريخ؛ من خلال استيعابها لمختلف مقومات الفكر ومختلف أنواع الثقافة على مر العصر، فاللغة هي التي تصون التحضر والتمدن لأي ثقافة وأي حضارة وهي الأداة الرئيسية لحفظ هوية الأمم للسنين القادمة، من خلال دورها المتواصل في جعل المجتمعات متحدين في أفكارهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.
وكون اللغة العربية هي لغة الإسلام؛ فقد حظيت باهتمام عظيم من قبل المسلمين سواء من العرب أو غير العرب؛ لأنها هي لغة ديننا الإسلامي ولغة القرآن الكريم. ولأن اللغة العربية هي سبب معرفة قيم ومبادئ الإسلام فقد اهتم بها كل المسلمون على مر السنين، واجتهدوا لتعلمها، وهذا ما نراه اليوم من علماء وفقهاء في اللغة العربية من العرب غير العرب الذين ابدعوا في فيها أمثال الزمخشري وغيرهم.
إن كثير من شعوب العالم التي أسلمت نجدها قد واضبت واهتمت لتعلم اللغة العربية، وهذا ما أثبتته اللغة العربية على مر السنين من خلال قدرتها على إحتواء لثقافات تلك الشعوب، واستيعاب لأفكارهم، واستجابة لحوائجهم، ومساهمتها بشكل كبير في مساعدتهم لصياغة أفكارهم ومعتقداتهم، فتعمقوا في أحشاء هذه اللغة، ووجدوا أنفسهم جزء لا يتجزؤون منها، وهذا ما أثبتته اللغة العربية في القرون الماضية من خلال هيمنتها على العلوم في مختلف المجالات، ومكوثها للعديد من الحقب على مر التاريخ، حيث تسابق الكثيرون؛ لتعلم هذه اللغة والإبداع فيها من كل بقاع العالم، وأبحرت في سفينة الحضارة الإسلامية حتى يومنا هذا.
وقد علم الكثيرون ممن أبحروا في تعلم اللغة العربية حول قوتها وعظمتها؛ وهذا ما يشعرنا نحن كعربيون محل فخر وزهو على الرغم من الذي نراه اليوم من تهاون الكثير من أبناء العرب تجاه هذه اللغة العظيمة، التي أصبحت في أذهان هؤلاء أنها لغة ليست عصرية ولا تواكب تطورات العالم!، ولكن ذلك غير مقبول؛ فاللغة العربية لغة قادرة على معاصرة مختلف التطورات العالمية من خلال الاعتناء بها، وتوظيفها التوظيف السليم، والحرص عليها من الضياع والتخلي عنها.