لنحيا مع الصيام
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail. com
الحمد لله رب العالمين، فرض على عباده الصيام وشرع لهم القيام، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام وعلى آله وصحبه الكرام، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن من أعظم نعم الله علينا نحن كمسلمين هو هذه التشريعات والعبادات التي يكتبها الإسلام الحنيف على المسلمين؛ هذه التشريعات التي تكون موافقة للفطرة التي فطر الله عليها عباده..
ولقد جاء فرض الصيام على الأمة في السنة الثانية للهجرة تأكيداً على أهمية أركان الإسلام ، واكتمال أركان الدين الجديد؛ فتكون الأمة مترابطةً قوية موصولةً بالخالق سبحانه وتعالى، تتجدد في أعماقها جذوة الإيمان، وتعيد اشتعالاً إذا ذبلت قليلا بسبب الدنيا وملاهيها!!
الصيام ركن الإخلاص في العبودية لله جل وعلا، فقد جاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). يا لها من مرتبةٍ عالية للصائم أن يختص الباري سبحانه بمجازات الصائمين ومكافأتهم على صيامهم؛ ذلك لأن الصوم لا مجال فيه للرياء، فالصائم ممانعٌ عن المفطرات في الخلوات والمشاهدة، لا رقيب له إلا الله سبحانه وتعالى، فيستشعر العبد معنى الرقابة الحقيقية لله عز وجل.. فهو يخشى أن ينتقض صومه مخافة الله سبحانه..
وإذا علمنا عقوبةَ جرمِ نقض الصيام بلا سببٍ شرعي ندرك خطر الصوم ومكانته عند الله تعالى؛ فمن أفطر متعمداً في رمضان لا يغنيه القضاء ولو صام الدهر كله! كما أن صيام شهرين متتابعين هي كفارة نقض صوم يوم واحد يكفي عبرة لذوي الاعتبار في بيان أهمية الصيام ومكانته عند الله.. وأخف الأقوال في ذلك كفارة صيام شهرين متتابعين عن الشهر كله.. والله تعالى أعلم.
إخواني أخواتي المسلمين والمسلمات: نحن ننعم اليوم بصيام الشهر الفضيل فلنعش مع أيامه ولياليه مع ساعاته ودقائقه التي تمر سريعاً كالبرق الخاطف! إنها لحظات لا تفوّت أبداً، فليكن للقرآن الكريم نصيب الأسد من أوقاتكم؛ فرمضان شهر القرآن قال سبحانه:
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ…. }-[سورة البقرة 185].
كما أن الصيام شهر الصدقة، وكان حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، فلنكن عوناً لإخواننا وأهلنا ومجتمعنا في مقارعة الفقر والحاجة، ومدافعة كل مسغبة، ومواصلة كل متربة من يتيم أو مسكين أو محتاج، فالمال مال الله وأنتم مستخلفون فيه. يقول عز وجل في كتابه العزيز: {لِیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَاۤ ءَاتَىٰهَاۚ سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا}-[سورة الطلاق 7]. ويقول تعالى أيضاً: {… وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ.…}-[سورة النور 33].
واعلموا أنه ما نقص مال من صدقة، وتذكروا قول الله تعالى: {قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَیَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَهُوَ یُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ}-[سورة سبأ 39]، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم..
كما أن صلة القربى وحقوق الأهل والأرحام لها نصيبها العالي في رمضان، وإذا كانت جائحة كورونا -عجّل الله تعالى بزوالها- إن كان هذا الوباء تسبب في التباعد الأسري جسدياً فإن التقارب بالإحسان والسؤال عن الحال والمواساة بالمال والعون لا تحده جوائح مهما اشتدت، ولا يمنعه وباء معها استطال، والله تعالى ينظر إلى عباده بمقدار ما يدافعون عن أنفسهم بالإحسان والصلة والمحبة والتآخي والتراحم، وبمقدار ما يكون عليه الناس من الإيجابية والتراحم تكون رحمة الخالق بهم! فقد جاء في الحديث الشريف (الراحمون يرحمهم الله)، أما القطيعة ما هي إلا شؤم يحل على البشر والعياذ بالله. قال سبحانه:
{فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰۤ أَبۡصَـٰرَهُمۡ أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ}-[سورة محمد 22 – 24].
كما أن في الصيام تتعمق الصلة بالخالق سبحانه وتعالى عبر المناجاة والدعاء! أولا يكفي قوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ}-[سورة البقرة 186]. لقد جاءت هذه الآية بعد آيات الصيام مبينة أنه لا واسطة بين العبد وربه.. ارفع يدك فقط والله أقرب منك من حبل الوريد.. فلنلهج بالدعاء كي يكشف الله عنا البلاء ويزيح عنا الوباء..
وفي هذا السياق ندعو حكومتنا الرشيدة إلى فتح المساجد، ودعوة الناس ليتضرعوا إلى الله تعالى، وأن تعمر بيوت الله لا أن تهجر، وأن تسخر لخدمة المجتمع كغيرها من ضروريات الحياة، فليس من المعقول أن تفتح الأسواق الدنيوية على مصراعيها ويتزاحم فيها الناس بالأكتاف ويلمسون بأيديهم كل شي؛ بينما تغلق أسواق الآخرة التي ينادى فيها بحي على الفلاح!! ويمنعون من لمس المصاحف!.
شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحات، فهذه معركة بدر التي سماها الله تعالى بيوم الفرقان كانت في رمضان حيث انتصر حزب الإيمان، وارتفعت راية الإسلام الحنيف على غياهب ودياجي الشرك العقيم في أول مواجهة بين الإسلام والكفر في الأرض المطهرة من جزيرتنا العربية، طهرها الله تعالى دوماً من كل وثن وشرك.. وهكذا تستمر الانتصارات كدحر التتار الغاصبين في حطين على يد المجاهد الكبير السلطان قطز رحمه الله تعالى..
إن شأن المسلمين ينبغي أن يزداد علواً ورفعةً في رمضان، وأن تسمو هممهم، وأن تتوثق روابط الأخوة بينهم، وإن اختلاف مطالع الأهلة لا مجال فيه لتخالف الأمة بل لتكاملها حتى يكون صيام الناس على بينة، فهذه عبادة مبنية على اليقين وليس على الشك.. وكلنا نصوم رمضان من ( دكار شرقاً إلى مكناس غرباً)؛ قال سبحانه: {إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ}-[سورة الأنبياء 92].
فكلنا نصوم شهر رمضان، وإن تقدم يوماً أو يومين في بلد مسلم أو تأخر يوماً أو يومين في بلد مسلم آخر؛ فالمطالع متعددة والصيام واحدة، والأقطار كثيرة، والحمد لله الأمة واحدة..!
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والشكر له أن جعلنا مسلمين.. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين، وجمعنا على الخير والإيمان، وصرف عنا هذا الوباء، وصدّ عنا كيد الأعداء، وكل عام والجميع بخير..