2024
Adsense
مقالات صحفية

الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل الوظائف بين الوفرة والندر

سليمان بن سعيد بن سليمان المقبالي

تواصل معي ذات مرة أحد الإخوة معلقًا على الحالة عبر تطبيق الواتساب كنت أعرض فيها مقطعاً لآلة تفرز النفايات أوتوماتيكياً قائلاً: معنى ذلك بأن ملايين الوظائف ستختفي إذا استمرت الابتكارات والاختراعات على نفس الوتيرة، كلامه هذا تؤيده العديد من التقارير والمقالات التي ترصد المستقبل في ظل الثورة الصناعية الرابعة، حيث تشير بعض التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030 ستحل الروبوتات محل أكثر من 800 مليون عامل، وبحسب شركة ماكينزي الاستشارية المعروفة فإن نصف الوظائف الحالية يمكن استبدالها بآلات ذكية، وهذا يعني توفير 16 تريليون دولار من الرواتب الحالية.
تهديد فقدان الوظائف هذا ليس بحديث عهد، فكل ثورة صناعية سابقة ظهرت معها مخاوف مماثلة لكن هذه المخاوف تبددت، ووفرت الثورات فرص عمل عوضت فقدان الوظائف اليدوية، بل يذهب البعض في التفاؤل مذهباً، ويتوقع بأن الثورة الصناعية الرابعة ستوفر ملايين الوظائف في أكثر من 14 قطاعاً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، وأنها في حقيقتها تمثل تغييراً داخل القوى العاملة، يحتم على العاملين التدرب على مهارات متطورة وبشكل مستمر للقيام بأعمال ذات مردود عال.
مصطلح الثورة الصناعية الرابعة التي بدأ العالم يعايشها بداية هذه الألفية، أطلقه “كلاوس شواب” الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس بسويسرا عام 2016، وهي تمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، التي ستغير وبسرعة حياة البشر كثيراً، ومن أهم ما يميزها الرقمنة الإبداعية التي تعتمد على ذكاء الآلة، والتي تدمج التقنيات الرقمية والحيوية والمادية وتخفي الفواصل بينها، حيث تحول الآلة إلى آلة ذكية تتخذ القرار وتتوقع النتائج باستخدام علم البيانات والذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، أما الثورة الصناعية الثالثة فهي التي تمثل الرقمنة في أبسط أشكالها.
ومن المحركات الرئيسة لهذه الثورة، الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتقنية النانو، والمركبات ذاتية القيادة، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والبيانات الضخمة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية، والعملات الافتراضية، والهندسة الحيوية، والواقع المعزز، والواقع الافتراضي وغيرها.
وهذا يقودنا إلى محاولة التعرف على ملامح وظائف المستقبل، والذي يتوقع أن يشهد تحولاً كبيراً في مستقبل المهن، حيث تشير دراسة لمعهد ماكينزي بأن خمس القوى العاملة في العالم ستتأثر بالأتمتة، وبالتالي اختفاء عدد كبير من المهن المعروفة حالياً خصوصاً الوظائف التقليدية والمتكررة التي تحتاج إلى مهارات بسيطة، وظهور مهن أخرى مرتبطة بالتقانة التي ستوجدها هذه الثورة، والتي ستحتاج إلى مهارات متطورة للقيام بها، وكان تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2016 قد أشار إلى أن حوالي 65 بالمئة من الوظائف التي سيعمل بها طلبة المدارس الابتدائية الحاليين في المستقبل غير معروفة إلى الآن، وحددت عدة تقارير ملامح وظائف المستقبل وفق محركات الثورة الصناعية الرابعة التي ذكرناها، وكذلك الأنشطة التي تنطوي على تطوير وإدارة الموارد البشرية، أو تلك التي تعتمد على التخطيط والإبداع وصنع القرار وحل المشكلات التقنية، لأن الآلة لا تستطيع القيام بهذه الأنشطة على المدى المنظور على الأقل، ومن ملامح غالبية وظائف المستقبل أنها تتوجه بشكل كبير نحو العمالة المرنة أو السائلة Liquid Workforce وهي التي تتكيف مع الوظائف قصيرة الأمد بتطوير ذاتها واكتساب المهارات المناسبة، وتلك التي تتسم بدوام جزئي وتتغير مع تطور التقانة، وعليه ستقل معها الوظائف الدائمة بشكلها الحالي، كذلك سيظهر ما يسمى باقتصاد المواهب المفتوح الذي يستبدل الموظفين الدائمين بموظفين مستقلين يمتلكون مواهب محددة لأداء مشروعات وأعمال محددة من أي مكان في العالم، ومن المتوقع أيضاً أن ترتفع نسبة العاملين الذين سيعملون لحسابهم الخاص.
وقد بين تقرير مستقبل وظائف ومهارات المستقبل 2020 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أفضل المهارات التي يرى أصحاب الأعمال أهميتها في الفترة التي تسبق عام 2025، وهي التفكير الناقد والتحليل، بالإضافة إلى حل المشكلات ومهارات الإدارة الذاتية، مثل التعلم النشط والمرونة وتحمل الإجهاد، كما قسم الإطار العماني لمهارات المستقبل المهارات المستقبلية في سلطنة عمان إلى ثلاث مهارات، هي المهارات الأساسية، والمهارات التطبيقية، والمهارات التقنية، ومن المهارات الأساسية التي وردت في الإطار، القراءة باللغتين العربية والإنجليزية والمهارات الرياضية، أما المهارات التطبيقية فهي الإبداع والابتكار و التفكير الناقد، وحل المشكلات، والتواصل الفعال والعمل الجماعي والتعاون والقيادة والمبادرة والمرونة والتكيف، والنوع الثالث من المهارات هي المهارات التقنية؛ وهي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعامل مع البيانات والمعلومات، والتعامل مع الوسائط الإعلامية.
وقد كشف إصدار 2020 من تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن المناصب الرائدة والتي عليها طلب متزايد، مثل: محللي البيانات والعلماء، ومتخصصي الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ومهندسي الروبوتات، ومطوري البرامج والتطبيقات، بالإضافة إلى متخصصي التحول الرقمي، ومن الأدوار التي تشهد طلبًا متزايدًا من أصحاب العمل مع تسارع الأتمتة، وكذلك عودة ظهور مخاطر الأمن السيبراني أدوار أخصائيي أتمتة العمليات ومحللي أمن المعلومات ومتخصصي إنترنت الأشياء.
وهنا يجب أن نشير قبل الختام إلى دور الحكومات المهم من خلال التركيز على إنسان المستقبل، حيث ينبه كلاوس شواب الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي الدول بأن تتكيف بشكل جيد مع الثورة الصناعية الرابعة بتكثيف استثماراتها في التعليم والوظائف الآمنة مستقبلا، حيث تمر الدول حالياً بمرحلة مفصلية تنتقل اقتصادياتها من الاقتصاد القائم على المعرفة إلى الاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي، كما أشارت دراسة حديثة إلى أهمية أن تستثمر الدول بصورة كبيرة في ثلاثة أشياء وهي؛ قدرات الأفراد والمؤسسات والضوابط المرتبطة بالعمل، وكذلك القطاعات المستهدفة للنمو والتي تلامس حاجات المجتمع، مثل التعليم والمياه والطاقة والبنية التحتية الرقمية والنقل، وعلى الحكومات ضرورة تحديث السياسات الاقتصادية و منظومة التعليم والتدريب المستمر مدى الحياة لتتوافق مع مهارات القرن الحادي والعشرين، وإرساء ثقافة المرونة في التنقل بين الوظائف والتكيف من حيث التناوب من عمل لآخر وتطوير المهارات بشكل مستمر، وكذلك بناء شبكة حماية اجتماعية لمواجهة الآثار السلبية للثورة الصناعية الرابعة.
همسة أخيرة، يمكن أن ننظر للثورة الصناعية الرابعة بإيجابية على أنها توفر فرصاً واسعة وثمينة للدول النامية كي تحقق معدلات نمو عالية من التنمية من خلال الاستعداد الجيد لها، وتسهم في توفير رفاهية ورعاية صحية جسدية وعقلية أفضل للأفراد، وتساعدهم على أداء عملهم في مستويات إتقان عالية، ويكون تركز الأفراد على الوظائف الإبداعية الأكثر جدوى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights