2024
Adsense
مقالات صحفية

دعوة لتعريب التعليم في الجامعات والكليات

يوسف بن مبارك المقبالي

قضية وطنية يجب أن تتبناها الدولة ضمن منظومة تعليمية متكاملة ..
إذن إنَّ البلدان العربية رزحت  ردحاً طويلا من الدهر، في عصورها المظلمة، لأحكام المستعمرين الذين أوقفوا تطورها، وكبتوا لغتها، حتى إنهم حرَّموها عليهم في بعض الحالات، واعتبروها لغة أجنبية في أوطانهم واستبدلوها بلغاتهم، كواسطة للتعلم والتعليم. وابتعد العرب حينذاك عن لغة أجدادهم، لغة القرآن الكريم وتطورت لديهم لهجات عامية، ممسوخة ومتباينة باعدت بين أبناء الأمة العربية الواحدة في مختلف أقطارها.
وعندما نتحدث اليوم هنا عن “تعريب العلوم” نقصد بذلك تحويل لغة تعليم علومنا في بلداننا العربية وفي كل معاهدنا إلى لغة الأم، وان نستعيد بذلك ثقتنا بلغتنا، ونؤمن من جديد بأنها لغة كُفُؤة، يمكنها التعبير عن كل المفاهيم العلمية، كما فعل أسلافنا في عصر نهضتهم، عندما كتبوا علومهم وعلَّموا وتعلموا بلغتهم ووضعوا بها مصطلحات جديدة، للمفاهيم العلمية سواء تلك التي اقتبسـها من الحضارات التي سبقتهم أو تلك التي اكتشفوها أو اخترعوها بأنفسهم.
ومتى ما عرَّبنا علومنا، واستخدمنا لغتنا على الصعيد التعليمي والاجتماعي والثقافي، في جميع أوجه حياتنا، وفي كل ما تبدعه عقول أبنائنا، ضمن إطار الثقافة والتربية والعلوم، سيؤدي ذلك حتما إلى تطور العقل العربي، والتربية العربية، على صعيد مفاهيمنا الفكرية والحضارية.

لماذا تعليم الطب باللغة العربية ؟
لا شك بأن لغة التعلم والتعليم لها أثر كبير في الفهم والإدراك وسرعة الاستيعاب للمتعلم، وحيث إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي أداة تواصل المسلم التي يعتز بها، وفي بلادنا الغالية يتعلم الطلاب في جميع مراحل التعليم العام باللغة العربية فلماذا يتعلمون الطب.. بلغة أخرى تتطلب منهم مضاعفة الجهد في القراءة والكتابة والاستيعاب.

إيجابيات التعليم باللغة العربية :
إن التعليم باللغة العربية يحافظ على بقاء هويتنا الإسلامية ويزيد من عزتنا والتمسك بقيمنا وثوابتنا وخصوصا في زمن العولمة والهزيمة النفسية أمام العالم الغربي.
إن التعلم باللغة العربية يزيد من سرعة الاستيعاب والفهم العميق لمفاهيم الصحة والمرض وان لغة التواصل بين المريض والطبيب هي اللغة العربية.
إن التعلم بالعربية لا يعني عدم إتقان اللغة الانجليزية بل يجب أن يتعلم طالب الطب القراءة والكتابة والإلقاء بالانجليزية إلى جانب العربية.
إن الطالب يتلقى علومه كلها في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية باللغة العربية.. ثم إذ بنا نطلب منه فجأة أن يقلب إلى لغة أجنبية كل تعليمه. فأيهما أسهل يا ترى أن نغير لغة التعليم للآلاف المؤلفة من الطلبة إلى لغة غريبة لا يجدون مبررا مقنعاً لانقلابهم إليها.. أم نغير له لغة التعليم لدى الأساتذة فنطلب منهم بدل قليل من الجهد ليستطيعوا التدريس بلغتهم الأم؟!
في المراحل ما قبل الجامعة يكون رصيد الطالب من اللغة الانجليزية متواضعا جدا وبالتالي يجد صعوبة في استيعاب العلوم الطبية الأساسية، ولو كان التعليم بالعربية لزادت حركة التأليف والترجمة ووضع المصطلحات العربية.
إن المصطلح العربي ليس كل المادة الفكرية التي ينبغي توصيلها للطالب أي من المهم أن نلفظ المادة الفكرية بلساننا العربي، وأن جميع القوانين الخاصة بتنظيم الجامعات تنص على أن لغة التعليم هي العربية وأن التدريس بغيرها يحتاج إلى استثناء؛ أي ليس هناك ضرورة لقرار سياسي للتدريس بالعربية والعودة للأصل.
أبرز العقبات:
ومن أهم العراقيل التي تذكر في وجه التعليم الطبي باللغة العربية هي الافتقار للكتاب المنهجي وكذلك الحاجز النفسي لعضو هيئة التدريس.. وعدم قدرته على التعليم باللغة العربية مثال لذلك.
أولا : فيما يخص الكتاب:
– هناك عجز واضح في الكتاب الطبي العربي.. وفي المعلومات عن الكتب والمراجع المتوفرة حاليا، وعليه لابد من إجراء مسح شامل لكل الكتب والمراجع الصحية والطبية المتوفرة، كما يجب تزويد المكتبات الطبية بأكبر قدر منها.
– التنسيق في مجال الترجمة حتى لا تتكرر ترجمة الكتاب لواحد ومن الممكن أن يقوم بهذا المركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة والنشر بدمشق مثلاً، وتعطي الأولوية مرحليا لكتب العلوم الطبية الأساسية، ومن الممكن الاستعانة في هذا المجال بالجمعيات العلمية العربية في مختلف العلوم الطبية خاصة للاتفاق على ما يترجم من المؤلفات.
– تنظيم تأليف الكتب المنهجية متعددة المؤلفين وذلك لاختصار الوقت والمساهمة للمتخصصين كل حسب تخصصه، مع محاولة تقييم الكتب العربية المتوفرة حاليا واختيار أنسبها لكتب منهجية.
– وضع خطة متكاملة لترجمة الكتب المنهجية وبعض من الكتب المرجعية والتعاقد مع دور النشر للدوريات العلمية لإصدارها، باللغة العربية على أن تشمل هذه الخطة نوع الكتاب الذي يترجم ومحتواه العلمي، والموافقة الكاملة من الناشر، ويراعى في طباعة الكتاب العربي المادة العلمية والمراجعة الصحيحة علمياً ولغويا، ونوع الورق والطباعة والصورة، على أن يكون في مصاف الكتب المترجم عنها الكتاب وهو عامل مهم (أي نوع الكتاب) شكلا ومضمونا، ويكون الكتاب جاهزا قبل البدء في التدريس مرحلة بمرحلة.
وعند ترجمة الكتب الطبية يجب مراعاة أن هذه الكتب ذات حجم كبير ومادة علمية غزيرة، وعليه يجب أن يكن هناك عدة مترجمين للكتاب الواحد، وهذا يوفر الوقت والجهد في صناعة الكتاب.
– الاتفاق مع دور النشر العالمية على ترجمة بعض الكتب المرجعية في فروع الطب المختلفة وكذلك على إصدار ترجمات عربية لدورياتهم، واستجلاب منشورات منظمة الصحة العالمية باللغة العربية بإعداد كافية لاستعمالها في المكتبات، واعتماد استعمال المعجم الطبي الموحد كأساس في التأليف والترجمة ومراجعته دوريا.
ثانياً : فيما يخص إعداد المدرس:
– أن يكون جميع أعضاء هيئة التدريس ممن يتكلمون، و يتقنون العربية، وتعقد الندوات العلمية وتلقى المحاضرات بالعربية من أساتذة لهم خبرة في التدريس بالعربية، مع تنظيم زيارات دورية لأعضاء هيئة التدريس إلى كليات الطب التي تدرس بالعربية (سوريا مثلا).
– تؤخذ أنشطة الترجمة والتأليف بالعربية في الاعتبار عند الترقية والتعيين وتخصص حوافز مادية وأدبية مجزية لكل انجاز في هذا المجال، وعلى الأساتذة إعداد ملخصات عربية وافية لبحوثهم المنشورة باللغات الأجنبية، مع تشجيع إلقاء بعض المحاضرات الطبية العامة باللغة العربية.
– إيفاد المعيدين لتأهيلهم كأعضاء هيئة التدريس وكذلك تشجيع الدراسات العليا بالداخل، مع تشجيع أعضاء هيئة التدريس على المشاركة في المؤتمرات العلمية بالخارج لمواكبة التطور في مجال العلوم الطبية والصحية.

الخلاصة :
إن اعتماد الوطن العربي على اللغات الأجنبية في تعليمهم للطب والعلوم الطبية وغيرها من العلوم، هي هزيمة نفسية خاصة إذا علمنا بأن الطالب عند تخرجه لا يملك في الغالب أن يكتب صفحة واحدة باللغة الانجليزية دون أن يرتكب العديد من الأخطاء، كما إنه يتجنب الحوار والمناقشة لضعف لغته، ذلك لأنه يدرس بلغة انجليزية ضعيفة هي هجين من اللغتين العربية والانجليزية، ولبطء قراءته نجده يعتمد على التخصصات والملخصات وقليلا ما يعود إلى المراجع.

ولهذا يؤمن اليوم الكثيرون بضرورة استصدار قرار سياسي ملزم، من أعلى المستويات، ينص على ضرورة تطبيق القاعدة القانونية، وإلغاء الحالة الشاذة، وعلى ضرورة التعريب الإلزامي في كل كلياتنا وبجميع مراحلها، ولهذا فإنهم يعتقدون بأنه لم تعد لهذه الاجتماعات المتكررة، التي تعقدها هذه الهيئات في قاعاتها المغلقة لتكرر نفس القرارات والتوصيات، أية فائدة عملية تذكر في تحقيق أمنيتنا المشروعة. ويُعتقد بدلاً من ذلك أن علينا أن نخرج إلى وسائل الإعلام المختلفة، المكتوبة والمسموعة والمرئية، وإلى أساتذة كلياتنا الطبية والعلمية وطلابها، وإلى الرأي العام بصورة عامة، لنبين لهم بكل حماس وموضوعية ضرورة تعريب التعليم وفوائده، ونطالب بكل إلحاح بإصدار القرار السياسي الإلزامي الشامل لذلك.
وندعو الله أن يحقق أمانينا الخيرة المشروعة، إنه سميع مجيب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights