سجين الزرقة سيحررك من سجن الذات
فوزية بنت علي الفهدية
رواية سجين الزرقة للكاتبة: “شريفة التوبية” ليست محض خيال سيتلاشى بنهاية الرواية ، بل أن أحداثها ستجعلك سجيناً للزرقة ، ومكبلاً بأفكار كالقضبان الحديدية؛ كي لا تستطيع الفكاك من التعاطف مع الشخصيات المروية، إلى أن تهديك تجربة وخبرات سابقة ستحررك للأبد.
فهي رواية أدب واقعي اجتماعي، توثق العلاقة بين العمل الأدبي وحكايات الواقع، في بناء درامي مليء بقصص تعري بعضاً من الاحداث، وتفكك القناع عن القصص المخبوءة داخل النفوس وخلف المنازل والقضبان.
لونت الكاتبة بحكاياتها جدران السجون الشاحبة، التي تسلب الفرح من أولئك المكبلين بداخلها، لتكون أحداث الرواية في إطار مكاني مسيج بالقضبان، ومغلق بإحكام بالأقفال الحديدية، لتكون الحرية على لسان السارد كالحلم فيقول: “لذة عثوري على جناح أطير به؛ لأهرب إلى فضاءات لا تطالها أعين المتربصين”.
ثم ترتدي الحكاية بعدها ثوباً بزرقة السماء، لنصبح معها أسرى لتلك الزرقة، وتكون شخصية بطل القصة “راشد”، الذي ولدته أمه في السجن كنتيجة لخطأ لم يرتكبه، تتسلل فيه الكاتبة ومن خلاله لتكشف لنا النوازع البشرية التي تقودها للوقوع في شراك أعمالها ونواياها.
وتصبح بعدها روح “راشد” سجينة صراعات داخلية، واغتراب بين ذاته والعالم، ويأخذنا معه في مونولوج داخلي مفعم بالأحاسيس، وفي عذاب وجودي مليئ بالقلق والاضطراب بحيث لا يستطيع الفكاك منها، ويروي حكايات أخرى لشخصيات مرت بهم الأحداث بطيئاً، وتركت فيهم مذاق العلقم لا يحلو مع مرور الأزمان، ويقول راشد: ” معلق أنا بين السماء والأرض”.
ويسير بعدها نحو “ذكرى كالحلم”، بعدما وعدته والدته، وهي ممسكة بلحافها الأزرق، وبصوتها الذي “يشبه بحة الناي” وتقول له: “ما تخاف راشد، أجي أشلك لما أطلع”، فعاش على أمل أن تفي بوعدها إلى أن “انفلت حزام الصبر الذي كنت أربط به على قلبي”.
رواية تحكي المعاناة، فيتراءى لك أشباح الشخصيات وهي خلف القضبان، فيومض في قلبك نور من جوهر الحكاية في تعاطفها، في سرد ينخر الفؤاد بأحداثه وآلامه، ليوقظ فينا الحذر والرحمة على حد سواء.
وتأخذنا تلك الأحداث الخالية من الأحداث الطيفية في تتابعها السردي، ويبقى ذلك الانطباع والأثر المتولد من الحكاية، والمليئ بالشفقة والرحمة، وترحل عنا الحكاية عند الإكتمال البنائي ويبقى التعاطف، بحيث يعطي القارئ فرصة تصور الأحداث، وتهديه بذلك خلاصة خبرات سابقة تغنيه عن التجربة الأليمة.
وتلك الأحداث التي بدأت تتنامى في اتجاه بنيوي درامي، انقلبت فيها الحكاية؛ لتعود مجدداً إلى نقطة الصفر، غارقين في التساؤلات التي ولدت مع الحكاية داخل قضبان السجن.
فبينما كان راشد يقول: “أريد أن أختفي بحيث لا أعرف نفسي إذا رأيتني يوماً على قارعة طريق أو وسط زحام”.
ويعود مجدداً ويقول: “أهبط من سلم الطائرة، أستعيد اللون والرائحة، تشغلني تفاصيل حكايتي القادمة التي لست أعلم هل أنا في نهايتها أم بدايتها”.