سفينة السويس
الدكتور / علي زين العابدين الحسيني
أيّ حيرةٍ تأتيك حينما تسمع عن أناسٍ يفرحون بحصول الضرر لأوطانهم، أيّ عقل يحملونه، وأيّ قلوبٍ يعيشون بها، وأي تاريخٍ سيسطّر عن حياتهم.
تابعتُ عن كثب الأيام الماضية حادثة سفينة “قناة السويس”، وما تتابع عليها من ردود أفعالٍ عالمية، ولعلّ ما شوهد في مصر بسببها من جهودٍ أشرف عليها محبون مخلصون لوطنهم “مصر” الشيء الكثير، وإنّ هذه الجهود المتواصلة؛ لدلالةٌ قويةٌ على أنّه لو تكاثفت الجهود في سبيل النهوض بمصلحة الأوطان، فإنّه سينطوي إلى ذلك كثيرٌ من الأعمال المفيدة.
هناك فئةٌ قليلة انتهزت هذه الفرصة -كعادتها- في التشكيك بالدولة المصرية وإمكانياتها، وصاروا يصرخون في منابر إعلامية معادية هنا وهنالك، متناولين الموضوع بمبدأ الانتقام وانتهاز الفرص؛ للحطّ من قدرها، مصدرين فكراً انهزامياً وحالة نفسية متشائمة، ولا غروَ فهم المتشائمون حتى مع أنفسهم، فمع غيرهم من باب أولى.
ها قد جنحتْ “سفينتهم” بقناة السويس، وتناقلتْ وسائل الإعلام خبرها، وسببت حالة عالمية من الاستفسار؛ إذْ كان الجميع في تساؤل واحدٍ عجيب متى ستنتهي هذه المشكلة؟
ما وراء الاستفسار والسؤال شيء أعمق منهما، هو قيمة “مصر” التاريخية، وأثر “قناة السويس” على حركة الملاحة العالمية.
ترتب على ذلك استنفار إعلاميّ عالميّ -ليس له مثيل- للوصول إلى ما استجدّ من أخبارها، ومن خلاله أدركنا أهمية “قناة السويس” التي هي فرع عن أهمية “مصر” بعمقها التاريخيّ، وقد دللت لنا السفينة بما ظهر واضحاً للجميع أنّ “مصر” ستظل بلداً مؤثراً محلياً وعالمياً.
أحمدُ ربي -سبحانه وتعالى- أنْ كان زوال هذه الشدة بعقولٍ وجهودٍ مصريةٍ، فشكراً لهؤلاء الأبطال، وإنّ مِن خلفهم جنوداً مجهولين كانت لهم بصماتٌ رائدةٌ لا نعلمهم، لكنّ الله أعلم بحالهم ومطلع على أعمالهم، حفظ الله مصر وأهلها من كلّ شر، وأدام علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار.
وفي ظلّ هذه الحادثة يأتي التأكيد أنّ الوطن مسؤولية الجميع حاكماً ومحكوماً، وبناء الأوطان ما هي إلّا عملية تضامنية تشاركية، فلا تقدر عليها جهة واحدة أو أفراد معدودون، بل لابد أنْ يشارك الجميع في سبيل نهضته، كلٌّ في موقعه وتخصصه.
مَنْ يشعرون بالغربة عن أوطانهم هم مَن سمحوا لأنفسهم أنْ يكونوا في منأى عنه خصوصاً في وقت الأزمات؛ لأن الوطنَ كائنٌ في قلوب محبيه غابوا أم حضروا، ويزداد التعلق بالوطن عند الصادق الباذل، حينما يكون في شدةٍ تستلزم من الجميع تكاتف الجهود وطرح اللوم والتشكيك جانباً.
ألا إنّ بقاءَ الوطن بقاءُ ذاتيتك، فإذا ضاع وطنكَ ضاعتْ قيمتكَ مهما كنتَ فيه من راحةٍ ومالٍ، فإياك أنْ تكون عدواً لوطنك، ووظف قلمك وفكرك في خدمته والعلوّ بشأنه، ولا تُسالم مَن هم لوطنك أعداء، فالمخلصون أعداءٌ لأعداءِ الوطن.
أنا أخذتُ عهداً أن أكون لأعداء الوطن خَصماً.