عذرا.. حاول مرة أخرى
أحمد بن موسى البلوشي
قالها لي بنبرة صوت لم اعتدها منه: “لم أحقق الهدف في هذا التحدي”، سألته للمرة كم هذه المحاولة؟ فقال إنّها المرّة الثانية، فسكتُ برهه من الزمن حتى أشاح وجهه عنّي؛ فضحكت، فقال لي مستنكرا: تضحك وأنا أحترق من الداخل؟ وتعبت كثيرًا ولن أحاول مرة ثانية!، فقلت له: هيا لنشرب كوبا من القهوة.
عندما تشارك بعمل ما أو مسابقة أو تقدم على وظيفة أو امتحان، ولم تحقق النجاح الذي ترغب به، وتسمع من البعض يقول لك: (حاول مرة أخرى)، تأكد بأنّ قائل هذه العبارة في أغلب الأحيان مرّ في نفس التجربة، فهذه العبارة بمثابة ترياق وشرارة لبدء فرصة جديدة تتمكن من خلالها تحقيق ما تصبوا إليه، كما أنّها تدعو المرء إلى عدم اليأس الذي يعتبر عدو للشخص، ويهدم الكثير من الأحلام والأفكار لديه، وإذا استسلمت لليأس أصبحت هذه العبارة محرمة لفكرك وتخالف قوانينك الحياتية، فهي تدمر الطموح والأمل، وتصنع لك عالما من العقبات التي تتوقع بأنك لن تجتازها، والقرآن الكريم يدعونا لعدم الاستسلام أو اليأس بل يشجعنا على المحاولة لمرّات عديدة، قال تعالى:” لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (يوسف، 87) ومهما تعددت المصاعب في طريقك، وحالت بينك وبين تحقيق حلمك، ولم تحقق الهدف الذي تسعى له، فلا تستسلم لليأس، بل انهض وحاول من جديد.
يُقال بأنّ العالم الأمريكي “أديسون” اخترع المصباح بعد تسع وتسعين محاولة، يعني بأنّه في كل محاولة لم يحقق الهدف، أعادها مرة أخرى وبطريقة مختلفة متلافيا أخطاءه السابقة حتى نجح في النهاية، وهذا دليل واضح بأنّ الإنسان لديه طاقة كبيرة على تجاوز الصعاب التي يواجهها مهما كانت أنواعها، فهذه المحاولات تعتبر خبرة حياتية يكتسبها الشخص، ويحاول من خلالها تطوير نفسه، ويتعلم منها كيف يمكنه أن يحقق أهدافه، بشرط أن يتعلم من كل محاولة جوانب القصور لديه؛ كي يتجنبها في المرة القادمة.
وبعد مرور فترة من الزمن على شرب كوب القهوة، وتلك النصائح التي وجهتها له، هاتفني مبشرا بأنّه تمكن من تحقيق الهدف المطلوب، بسهولة ويسر.
نعم،… إنّها الإرادة الداخلية والطموح؛ ولهذا يجدر بنا أن نربّي أولادنا على مواجهة الصعاب، ونعلمهم إنّ الوصول للنجاح يحتاج إلى الصبر، والمحاولة مرّات عديدة، وعدم الاستسلام من أول محاولة، فهذه المحاولات هي التي تصنع النجاح.