أم تصرخ..!!
سعد بن فايز المحيجري
طلبت المعلمة من الطلاب أن يفتحوا –الكاميرا- وناقل الصوت في نشاط جماعي أرادت منهم أن يجيبوا عليه، وفعلًا بدأ الجميع بتفعيلهما بناءً على رغبتها، وتسابقًا منهم في المشاركة والإجابة، فأغلبنا يعلم الحماس الذي يغلب التلاميذ في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، وخلال سير الحصة صرخت إحدى الأمهات على ابنها صراخًا ربما لا يتخيله أحد، ربما الوضع إلى الآن طبيعي، إحدى الأمهات أو الآباء يصرخ على ابنه أو ابنته، وقد مررنا بهذه الحالات مذ كنا صغاراً مع آبائنا وأمهاتنا، ونقوم بها الآن مع أبنائنا في ثورة غضب، فنحن لا نزكّي أنفسنا، ولكن ما أجبرني على كتابة المقال هو ما سمعته من جملة الصراخ تلك الألفاظ والشتائم التي رشقت بها الأم ابنها…!!!
قد تظن أيها المربي – الأم والأب- وأخصكم بالذكر هنا؛ لأنكم المدرسة الأولى التي يكتسب منها الابن معظم مبادئ الحياة وتعاليمها، وخاصة بما يتعلق باللغة المنطوقة، قد تظن أنك تربي ابنك وتعلمّه وتسقيه وتغرس فيه الخصال الحميدة، ولا شك أنها رغبتك ورغبة جميع المربين، ولكنك تتبع الأسلوب الخاطئ في التربية، وتسلك طرقًا ربما تؤدي به إلى مستنقع الضياع، وليس الأمر مقتصرًا على ذلك فربما وصل الأمر إلى المجتمع، فابنك سيردد تلك الكلمات التي يسمعها منك ظنًا منه أنها كلمات عادية، لذا فالأمر طبيعي أن يستخدمها في تعاملاته مع أقرانه ومن يختلط معهم، حين كانت ابنتي في الصف الأول وبعد عودتها من المدرسة كانت تسألني عن معاني بعض الكلمات، فحين أسألها عن مصدرها، تقول: من فلان في الصف. فمن هنا تُدرك أيها المربي دورك المؤثر في المجتمع عبر أبنائك وما يمكن أن يتأثر به النشء الذي عادة يكون أكثر تقبلًا وتعلمًا من غيره، ودونك الدراسات العلمية والبحوث المحكمة التي تثبت ذلك.
يظُن الكثير منّا أنه وصل لمرحلة الكمال في الإلمام بضروب تربية أبنائه التربية السليمة، ونأينا بأنفسنا عن قراءة كتب التربية، وتجنبنا المحاضرات التي تختص بالجانب التربوي، وهذا ملحوظ حين تحضر محاضرة عنوانها (كيف تربي ابنك؟) فعدد الحضور ليس بالكم الموجود في محاضرة عنوانها (كيف تصبح غنيًا؟)، وإن كانت الأولى برخًا والثانية بمقابل مادي، والأهم من ذلك كله، نحن نقرأ القرآن الكريم ولا نُدرك التوجيهات التربوية التي يمتلئ بها، وتلك الإشارات والتنبيهات الحانية التي لا نفتأ نجدها في قصص الآباء مع الأبناء، ولنا في قصة سيدنا يعقوب ومناداته في كل أمر أن يوجهه إليه بقوله: (يا بني…)، وذاك لقمان الحكيم الذي صدّر توجيهاته لابنه بمناداته (يا بني…)؛ لأنها باعث للاستعطاف والانتباه وأولى باسترقاق القلوب من الكلمات الفظة، وتناسينا سيرة النبي المصطفى في التعامل مع الأطفال وسبطيه، فحسبنا أن نذكر أحد المواقف، حين رأى الأقرع بن حابس النبي ﷺ يقبّل الحسن، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدًا منهم، فقال ﷺ: “إنه من لا يَرحم لا يُرحم”.
أخي المربي.. لا ضير أن تقرأ في كتب التربية وتشارك في محاضراتها، وتبحث عن كل جديد في أساليبها، فنحن نعيش في عصر نربّي فيه أبناءنا على غير ما تربّينا عليه، فكل عصر وأساليبه، وكل جيل وما يوافقه، فلا تجعل من الغضب معولًا يهدم علاقتك بأبنائك، وثق تمامًا أنك تنشئ جيلًا، هذا الجيل يؤثر ويتأثر في المحيط الذي يعيش فيه، فكن ذا أثر طيب بتربيتك لأبنائك.