لا تجعل ثيابك أغلى شيءٍ فيك
أحمد بن موسى البلوشي
يقول جبران خليل جبران: ” لا تجعل ثيابَك أغلى شيءٍ فيك، حتى لا تجد نفسك يوماً أرخصَ ممّا ترتدي”، ولست هنا ضد الاهتمام بالمظهر الخارجي، على العكس فالمظهر الخارجي جزء من شخصية الإنسان، ويعكس الكثير من صفاته، ولهذا دومًا نسعى بأن يكون مظهرنا جميلا وأنيقا، وكن على ثقة بأنّ مظهرك الخارجي لا يحدد كَمّ الثقافة لديك، ولا المهارات التي تمتلكها، ولا درجة الثراء التي تعيشها، وللأسف كتبت هذا المقال بعد جلوسي مع مجموعة من الشباب المتعلمين وخريجي الجامعات في لقاء عابر، وكانوا في قمة الأناقة والشياكة، ولكن للأسف كانت أناقة تفتقر إلى الثقافة والمعرفة، فمن خلال الحديث معهم تبين لي أنهم متعلمون وليسوا مثقفين، فحديثهم كان في مجمله حول مشاهير السوشيال ميديا، وبعض المواقف الحياتية، وعندما تحول النقاش إلى موضوع هادف خفتت الأصوات، وقلّت الكلمات والمبررات والإيجابيات والسلبيات حول الموضوع.
فالجميع متعلم، ولكن نحن في زمن نحتاج فيه للمثقف، نحن في زمن المعلومات والمعارف، زمن المهارات والخبرات، كما أنّ الثقافة لا تحددها الشهادة التي تمتلكها؛ بل يحددها كمّ المهارات والمعارف لديك، فهناك فرق بين أن تكون مثقف، وأن تكون متعلم.
يقول الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي: “ينبغي أن نميّز بين المتعلّم والمثقف، فالمتعلّم هو مَن تعلّم أُموراً لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ الصغر. فهو لم يزد من العلم إلّا ما زاد في تعصبه وضيَّق من مجال نظره. هو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخد يسعى وراء المعلومات التي تؤيّده في رأيه وتحرّضه على الكفاح في سبيله. أمّا المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقّي كلّ فكرة جديدة وللتأمّل فيها ولتملي وجه الصواب فيها”.
عندما يمتلك الشباب الشهادات الجامعية ويفتقرون لأساسيات الثقافة العامة، فتأكّد بأنّ الجيل القادم في خطر! جيل يحصر فكره في تتبع أخبار مشاهير السوشيال ميديا ويسترسل في عرض المواقف المضحكة والألعاب الرياضية، وأكبر أمة قد يصطدم بها عقله، هو حيرته في أي مكان سيسهر الليلة؟ وكأنّ هذه الأمور هي الثقافة الوحيدة التي يمتلكها، معرضا عن القراءة، وعن تنمية معارفه من مصادر ومنابع العلم الحقيقية.
لذلك من غير المستبعد رفض الشركات لبعض خريجي الجامعات، لفشلهم في اختبار القبول، فمعايير القبول اختلفت ولم تعد تقتصر على المعدل الجامعي، بل يجب أن يرافق الشهادة الجامعية اعتبارات أخرى، مثل إلمام المتقدم للوظيفة بأساسيات الوظيفة وبالمعلومات العامة عنها، ومثل هذه الأخطاء بإمكان المرء تلافيها.
فالثقافة تساهم بشكل كبير في بناء شخصية الإنسان وطريقة تفكيره، يقول المؤلف الروسي أنطون تشيخوف” لكي تكون مثقفًا ولا تتخلف عن البقية، لا يكفي أن تقرأ أوراق نادي بيكويك أو تحفظ عن ظهر قلب مونولوج فاوست، بل إنّ ما تحتاجه حقا هو العمل باستمرار ليلا نهارا وأن تقرأ باستمرار”.