حقاً تُبْهرني أُمي
جُهينة بدر
الرابعة فجراً
حيثُ النفحاتُ الطاهِرة.. وصُلحٌ لدواخِلنا المُحطّمة
بعدَ سماعِ المآذِنَ تصدحُ ” اللهُ أكبر”
حرصُ أمِي الدائِم قيامُنا لِصلاةِ الفجْر يُحدِثُ جلجلةً في مَنْزِلنا ..
إنها تُعاودُ لنا مراتٍ عدة ولا يهدأَ قلبُها إلا بعدَ تأكُدها أنّ الجميعَ قدْ صلّى..
ومِنْ عاداتِها المُقّدسة ضغطةُ زرِ الرادُيو وإعلاءُ صوتِ إذاعةِ القُرآن..
وكأنها تقُول” انصتوا معي أيضاً حتى ولو كُنتم نِيام”
وتبدأُ بأعمالِها رافضةً مساعدةَ زهراتِها؛ بحُجةِ أننا لسنا بمستوىٰ مهارتِها ولا شكّ في ذلك حججُ أمي صوابٌ في صواب.
ماذا تعملُ أمِي؟!
أُمي طاهيةٌ بارِعة..لا تسألوها عن مكوناتِ الأطعمة، ولا حتىٰ عن كمياتِ المقادير .. ستخبركم بأدقِ التفاصيل إلا أنكُم ستُصدمون بالنتيجة.. المسألة لَيست في خُطواتِ الطهّي.. السِحر يكمنُ في يداها أثناءَ تحضيرِ أشهى أصنافِ الأطباق.. حقاً تُبهرُني أُمي
إنني استغرق ساعتانِ ونصف لإنهاء وجبة.. بينما تنتهي هيَ في أقلِ منْ نصفِ ساعة.. والمُخزي أن حصادَ عنائي طوالَ الساعتانِ تلك لا يأتي إلا بسُخريةِ أخي ” تصنعين طعاماً لاذِع”، واتهامي أنني وضعتُ السُكر بدلاً مِنْ الملْح.
تُضحِكُني أُمي .. تأكلُ صنعَ يداي وتكثُر مديحي لترفعَ منْ معنوياتِي .. إنها تُلاطفُني بالمُجاملات.
أُمي طبيبةٌ خارقة.. هي لمْ تدرسُ الطب لكنها تفوقت على كثيرٍ منَ الأطباء.. طريقةُ علاجُها فريدة
ما أن تمسحُ برُؤوسِنا وتتلو علينا السوُر والآيات
إلا وهدأت أجسادُنا التي أرهقها المرض.. تُجيدُ بلمسةِ كفيها تحضير وصفةٍ لِكُلِ داء.
حقاً تُبهُرُني أُمي .. دوائُها ينجحُ على جميعِ أدويةِ المُسْتوصفات.
أُمي تحترفُ الخِياطة..
صُراخي إثْر تمزُقِ أزرار قميصي المُفضل يقطعهُ صوت أمي” كفاكِ يا طفلتِي سأعيدُ حياكته حالاً”
لِتخرجَ أختي الأخرى بكومةِ ملابس تطلبُ منْ أُمي إصلاحُها.
حقاً تُبهرنُي أمِي .. القميص أصبحَ أجمل بكثير عما كان . يا تُرى ماذا فعلتِ في الخيطِ والإبرة؟!
أُمي أنبلُ مُعلِمة
أسألها عنْ شتىٰ الموضوعات فتجيبُ بِطلاقة .. لا يُمكن لقولِها أنْ يقعَ محطّ الخطأ.. إنهآ واعيةٌ ومُثقفة.. شغوفةً لاكتسابِ المعلومة ذكيةً تغرسُ فينا كُلّ ما اكتسبت.. أسمىٰ غاياتِها أنْ تحفظ القُرآن.. حقاً تُبهرني أُمي.. إنهآ على وشكِ إتمام حفظِ جميعِ أجزاء كتابِ الله.
أُمي أعظمُ زَوجة وفيةً ولا زالت تمدُ عطاءَ وفائهآ لوالدي..ومنَ المؤكَد أنَ أبِي لمْ يندم قطّ على اختيارهِ لإمرأة گأُمي.. إنهآ تحبهُ كثيراً ولم ألحظ تضاءُلَ هذا الحُب لقد دامَ خمس وثلاثينَ سنة! فكيفَ لِعشرةٍ طويلةٍ كهذهِ أن ينقصَ حُب طرفيها؟
والدِي رائِدُ أعمالٍ حُرّه يحكمُ عليه عملهُ كثرةَ التّنقُل بين مُختلفِ البِقاع
لذلك وكّل أُمي ثِقة الكاملة في إدارةِ المنزل والعنايةِ بنا
حقاً تُبهرُني أمي! إنهآ قيادية .. يُؤمِنُ والدي أنها لو أمامَ جيشٍ لأمكنها النفُوذُ ..لا عسرٌ عليها في المواجهة.
آه يا أُمي.. امتهنتِ كُلّ المِهن.. لا أحد يُضاهي شهادةُ أمي الحياتية.. أرجو مِنْ الله .. أنْ لا ينقطِع صوتُ المذياع.. أنْ لا نفقُد الأطباقَ الشهية.. أن لا تختفي وصفاتُ أمي الطبية.. أرجو من الله أنْ لا أخسر قميصي الذي لا أحد يُجيدُ حياكته سوى أُمي..
أخشىٰ أنْ تنطفئ هذهِ التفاصيل الصغيرة.. حقاً أرهُب أنْ يُبادَ شعورالدهشة!
بسمِ اللهِ علىٰ أمي.. لنْ يتوقفَ انبهارِي!