ودعت ظلك
نعيمة المقراني
أعدتُ ترتيب المساء، أضفتُ قطعا من السكر إلى قهوتي، غيرتُ أحمر شفاهي، وعطري، جهزت مخدعي؛ لنمارس طقوس الهوى…، لكنك حزين تلاحق دخان سجائرك في الغمام، غيرت أنا جميع عاداتي، ولم تغير شيئا من عاداتك، ما زلتَ تثقل مسائي بعينيك الكئيبتين، تدعي الفضيلة في حضوري و تتقن الرذيلة، وسط الظلام.
وضعتني في قفص حكاياتك الرتيبة، كسرتَ سمفونية بتفهوفن، وحرقت دواوين الشعر في مكتبتي، تمتد أناملي إليك في الظلام؛ لتؤنس روحي فأجِدُك كسراب الطريق كلما اقتربتُ منه ابتعد، أطلب قطرة من عناق يطفئ حنيني؛ لكني أظل ظمأى، وفحيح الشوق يعبث بقلبي… يقطع أوصالي، أنتحب يا…. أنت..يا هذا دثِّرني بجلدك، زمِّلني بلمساتك، فإنّ شتائي قد طال.
منحتك صك العبور نحوي منذ زمن، لكنك مازلت هناك تقف وراء حواجزك تضع كراسا للشروط، وقوانينا للالتحاق، تقهقه طويلا، ثم تنغمس في هاويتك السحيقة.
انتحرتْ مشاعري من فرط ما استبحتها بالحزن، والجفاء…تركتني هناك دون أن تفتح القفص؛ لتتحرر روحي من طغيانك، فقمتُ من رمادي كعنقاء أسطورية، وكسرتُ باب القفص، سرحت في فضائي الجديد، أريد مرفئا من السلام، وأرجو أن يتبخر حزني من جلدي، فأتطهر من سمومك، لأول مرة يصل الربيع عند بأبي، وسلَّته ملئى بالورود، والأمنيات، تعطرت حياتي بعد أن طلقتُ ظلّكَ البغيض.
أنا الآن يا سيدي أشقّ عباب الرحيل في رحلة وحيدة، أودعك حتى أسافر لموطن الشمس، سأزرع من روحي حقولا وأسقيها بأمنياتي، سأنسج من الشعر شالا أغطي به ندوبا منك لحقتني، سأسهر ليلي أسرد للعاشقين حكايا الخلاص، وأفتح حضني كل مساء لقصة عشق وعند الصباح أجمع من حقولي رحيق الهوى غذاء لهم و لقلبي، و تلبثُ أنت هناك في ركنكَ المظلم تلاحق دخان سجائرك وحيدا بلا موطن، بلا صلوات، ولا أمنيات، تمارس طقوس السواد .
ستعطش وحدك، وتغرق وحدك، وأفتح أنا من شراييني نبعا يرتوي منه الأمل ، ستطلب أنت قربانا جديدا تمارس عليه شعوذتك، وأرتل أنا دعواتي لأفك طلاسمك عن كل روح، وتذوي وحيد تنوحك غربان سوداء تشبه روحك، وترفض حبات المطر تغسيلك من الخطايا، و تلفظك الأرض من جوفها؛ لكي لا تسممَ جذور الحياة.