التيسير
مياء الصوافية
التيسير إن لاق في صاحبه لسانا متجملا تخرج منه الأوامر ثملة طيبة رحيمة عليمة ببواطن الرأفة وبمكامن القدرات التي قد يتميز بها الإنسان عن أخيه الإنسان كان له من الغراس أجله ومن الجنى أتمه فتتم به الأفعال بهية نضرة وتشتغل الهمم وتتسارع إلى المطلوب منها القلوب والعقول وعلى هذا يتوجب أن لا يحمل عاتق الإنسان عبء الأثقال والفكر جشامة الاستدلال بل بالبحث عن كل يسير يصل بالإنسان إلى مبتغاه.
وجهوا أنفسكم للمطلوب بإخلاص ابحثوا عن المسلك الأنسب لوجهتكم دون تجربة مسالك تبدو منذ وهلتها الأولى بأنها ليست لوجهتكم ولا لإمكانياتكم ولا حتى لما أضفاه الله(تعالى) عليكم من مزايا فإن ابتعدتم عن المناسب لمزاياكم فإنكم-بلا شك- أوديتم بأنفسكم إلى مهالك عظيمة ومشقة جسيمة لها من العبء ما يجثم على صدوركم ويطيح بأبدانكم ، بمعنى آخر عليكم أن تقصدوا اللب المنشود بسهام من الكنانة صائبة وأن تترجلوا إلي مراميكم بخفة مراعية لطباعكم وقدراتكم دون الخوض في سبل هي ليست لكم .
وعلى من ولي مكانة و له بين جماعته كلمة مطاعة فلييسر ولينتهج من السبيل أيسره ومن العمل أسبره
بدون غضاضة ولا فظاظة وليكن رؤوفا على من هم دونه منتشلا لعوائقهم المتعثرة جابرا لعواطفهم المنكسرة.
فلا يجعل كرسيه فوق الذرى يلقي بعجرفتيه على أبدان أنهكها التعب وقلوب أدمتها القسوة تدير أعينها عن متنفس ينقذها من براثن هذا التعسير فلن يكون فكرها حينئذ منشغلا لما هو مطلوب منها والمنوط إليها.
ومن يحير العقول بتفاصيل بلا جدوى ويرهق
الجسد بأوامر منهكة فعليه أن ينقض غزل سيطرته وليدع حبل أوامره مرخيا لا يفلت من قبضة العمل ؛لكن لتكن مسكته لينة يشكلها بيسر يقصد منها الوسطية بلا تهاون ولا شدة عجفاء .
إن من يعسر على نفسه أو على الناس كأنه سائر في أرض مجدبة بها ما بها من لا حياة فليس همه حينئذ التفكير في إتمام عمله على الوجه المطلوب منه بقدر اهتمامه بحماية نفسه والبحث عن متنفس لها فحاله كحال من ينظر إلى الأرض وإلى جنباته لحماية نفسه دون أن يرفع رأسه إلى الذرى لتحقيق المنى المنشودة بشكل أكثر جاذبية ولما هو مكلف به.
إذا لم تكن البيئة ميسره فلن يكون العمل متقنا وإنما سيعتليه ما يشينه ويقلل من كفاءته وهذا ما أكده رسولنا الكريم فعن عائشة رضي الله عنها عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:”إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ،ولا ينزع من شيء إلا شانه”
فالرفق يلين المشاعر ويقودها إلى الاعتراف بالجميل فتنقاد إلى وليها وآمرها في طاعة وإذعان وتجاوب للطف الذي دخل نفوسها وأعلى من هممها، ناهيك عن ذلك فلربما أنها تأتي بأشياء تربو على ما هو مطلوب منها؛ وذلك بسبب الرفق واليسر وعلى خلاف ذلك لو أنه نزع الرفق ستقابل الشدة بالشدة وستتنافر النفوس وستغيب الطاعة وستنشغل النفوس عن المطلوب منها إلى ما يجلب لها التعاسة والشقاء.
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن النبي(صلى الله عليه وسلم )قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)
فلو أمعنا النظر في قول رسولنا الكريم بأنه أتى بالصفة وضدها ليس اعتباطا وإنما لحكمة أراد منها أن يعلمنا إياها فمن الضد يظهر الضد؛ فلو لم يكن هناك يسر لكان العسر والمشقة وإن لم يكن هناك بشر من وجوه سمحة وقول يحمل البشرى لتنافرت القلوب ولاعتصرت الصدور بما يقلقها.
وهذا ما أكده الله(عز وجل) في سورة البقرة الآية (١٨٥)
“يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر…”.
وعلى هذا يتوجب على المسلم الامتثال لأمر دينه سواء بما يتعلق بأمره أو بأمر غيره والذي منه التيسير فليكن سمحا حليما في جوهره وفي منصبه وأيا كانت وجهته.