نتجاهل أم نتعلم من التاريخ!!!
محمد بن سالم الجهوري
التاريخ مدرسة تبدأ فيها مرحلة لبناء مرحلة أخرى، كونهُ يمثل الذاكرة التي يتم بها تخزين وتنظيم أشكال الحياة كافة من أعمال وأفكار ومنجزات. ويُعرف “التاريخ لغة: الوقت، فالكلمة جاءت من الفعل أرخ أي بين وقته ويقال: أرخ الكتاب بمعنى تحديدا لوقت بقصد حدد تاريخه، والمؤرخ: عالم التاريخ، والتأريخ: تسجيل هذه الأحوال” (المعجم الوسيط، ص 13)، أي وقتها وغايتها أي انه إثباتا للشيء من عدمه. أما في الاصطلاح: سلسلة من الأحداث والأحوال المتعاقبة وسوابقها وطرق الكشف عنها وبيان ترابطها وطرق تفسيرها (نبهان، يحي محمد، 2010، معجم مصطلحات التاريخ، ص 84). وانسجامًا لما جاء فالتاريخ يهتم بتتبع الخطط والأحداث وأسبابها ومسبباتها والعمل على جمعها وتحليلها للاستفادة منها والتفكر في مدلولاتها، وهو ما بينه القرآن الكريم في معرفة قصص السابقين وأخذ العبرة من تاريخهم، لذلك لا بد وأن نتفكر في أخبار الأمم والشعوب التي سبقتنا لأخذ العظة والعبرة من حياتهم وما وقع بها لبناء حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا. فمن التاريخ الفكر ومن التاريخ حركة للأذهان وتربية للأفكار وركيزة تخطيطية لاستشراف المستقبل.
قياسًا على ذلك فالوقت الذي قضته الأوطان في المرحلة الحديثة بعد بروز الذهب الأسود على الساحة التنموية لاقتصاديات الدول القائمة عليه يُعد مرحلة حديثة غدت تاريخًا يستفاد منه في رسم الخطط المستقبلية، كما أن كُل ما تم وضعه من خطط تنموية متحققة وغير متحققة أصبحت اليوم مسارًا تاريخيًا يمكن الإفادة منه لوضع المخططات المستقبلية على وفق رؤية واضحة وقابلة للتحقيق.
النظرة التاريخية لما وقع مسبقًا وكلف جهدًا وأخذ رسمًا واتبع نهجًا لتحقيق الأهداف في أي خطة كانت ولم تحقق المرجو منها تحتاج إلى رؤية تفصيلية واضحة وموضوعية صادقة وعادلة لمعرفة أسباب الفشل والوقوف عليها وطريقة تطبيقها ومتابعة القائمين عليها والأخذ بآلية تقييم وقياس الأداء والمنهج الذي لم يحقق المسار الذي وضع لأجله. ففي حالة عدم الاستفادة مما مضى (تاريخ) فإننا في حينها سوف نفتقر لدارسة حاضرة في رؤية قادمة، وهذا ما يكسر درجة الاستفادة القائمة على أن التاريخ مهما كان يأتي بصور متنوعة متصلة ومنفصلة بسلسلة متراكمة تساهم في سد الأخطاء المتكررة ومعرفة خفايا ما كان وما هو مخطط له وكيف ولماذا لم يحقق ما تم التحقق منه. كثيرة هي خطط الماضي التي حملت مشاريع متنوعة منها ما تحقق ومنها ما ذهب من ميناء الانطلاق ولم يستقر حتى اليوم بميناء الوصول، وهو في أساسه وضع في خطة وأهداف مدروسة وغير مدروسة التي استنزفت القليل والكثير؛ لأنها بُنيت في أصل الشيء على رؤية غير صحيحة فكان لها ما كان من تعطل وتوقف، وبرزت فيها ظاهرة الإفادة والاستفادة المخصصة في غير تخصيص في رحلة تسويفية ليس لها في المكان زمان، هذا بعض ما كان قياسًا عن الماضي الأدنى دون الولوج للماضي الأقصى، على ضوء ذلك لا بد لنا من الأخذ بمسببات ما كان دراسةً وتفعيلاً حتى لا يكون التاريخ التراكمي مجردًا نأخذ قليله ونترك كثيره أو نتجاهل ما كان فيكون لنا مجرد رواية تحكى تصاغ بهيئة سؤال: نتجاهل أم نتعلم من التاريخ!!!