المعلم أساس النهضة
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail.com
الحمد لله الرحمن الذي علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على المعلم الأول النبي الأكرم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اقتضت حكمة الله تعالى أن يستخلف الناس في أرضه ليعمروها ويشيدوها على أفضل حال قال سبحانه: {۞ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِیهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِۚ إِنَّ رَبِّی قَرِیبࣱ مُّجِیبࣱ}-سورة هود (61)-
فالله تعالى جعل الأرض وطناً للإنسان في هذه الدنيا، وقدر له فيها أقواته، وكتب له فيها أرزاقه. قال سبحانه عن أرضه: {وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَاۤ أَقۡوَ ٰتَهَا فِیۤ أَرۡبَعَةِ أَیَّامࣲ سَوَاۤءࣰ لِّلسَّاۤىِٕلِینَ}-سورة فصلت (10).
ولكن ما الذي يجعل الناس قادرين على استعمار الأرض واستخراج أرزاقها؟؟! إنه العلم لا شك في ذلك، ومن الذي يمكنه بدوره تقديم العلم؟؟! إنه المعلم ثم المعلم ثم المعلم..!
إذن المعلم هو الأساس لقيام أية حضارة على هذا الكون وبدون معلم ومن دون تعليم؛ فإن حدوث التطور والتقدم والرقي نكون مجرد أحلام يتغنى بها المتغنون لا غير..!
ونحن نلحظ ذلك من خلال رسالة الإسلام، فنجد أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول لهذه الأمة فكانت مهَنته التبليغ والإرشاد قال سبحانه: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ}- الشورى (48)- أي ما عليك إلا البلاغ، وقال جل في علاه: {هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولاً مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ}-سورة الجمعة (2)-، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المهمة على أكمل وجه؛ حيث أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك..
كما اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه، فكان بنفسه يقيم لهم حلقات الذكر ومجالس العلم والتفسير والبيان، وفي قصة أسرى بدر فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتدي كل أسير كاتب نفسه بتعليم القراءة والكتابة لعشرة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين..!
وآية {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}- سورة العلق- هي أول آية تنزل من السماء إلى الأرض في رسالة ربانية واضحة نستنبط منها عدة أمور:
١. أن رسالة الإسلام تقوم على العلم الذي يتجلى به الحق ويخمد به الباطل
٢. أنه لا مكان للخرافة في الإسلام.
٣. أن الإسلام يقدس الحضارة التي ترقى بالإنسان وتسهل حياته قال سبحانه:{وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ۖ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ (44)}-سورة سبأ.
٤. أنه لا مجال للتطور الإيجابي إلا بالعلم
٥. أن القراءة تعتبر من أهم مفاتيح العلم والمعرفة.
٦.أن العلم يستمد من الله تعالى ويسخر للتوصل إلى الإقرار بوحدانيته وربوبيته وقيوميته على الكون.
وفي عصرنا عايشنا دولاً قدست المعلمين والعلوم فنهضت من غفوتها وتقدمت، ومما يحكى أن مجموعة من القضاة في ألمانيا طلبوا من رئيسة وزرائهم مساواتهم مع المعلمين في الأجور..!! فردت عليهم لا يمكنني أن أساويكم بمن علموكم!!
ومن الدول من تفتح لأبنائها كل قنوات التعلم في العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية، وتفتح المعامل والمختبرات والصالات ليمارس ذوي الفطنة والدراية هواياتهم في الابتكار والفك والتركيب والتطبيق والتقويم في مستويات علمية عليا ترقى بدماغ الإنسان وعقله لينتج الجديد في تسهيل الحياة واستغلال طاقاته..
إن مناقب المعلمين وأخلاقهم لا يمكنني أن أحصيها في كلمات أو تكتب في مقالات!! وفي بلادنا نجد اهتمام أجدادنا بالمعلم والتعليم واضح للعيان، حتى أنه لا تخلو قرية أو مدينة من قرى عمان ومدنها من وقف لأجل العلم والعلماء، فكانت راية عمان عالية خفاقة على مر التاريخ في شتى العلوم، فالعمانيون أسياد علوم اللغة، وعلوم البحار، وبرعوا في علوم الفلك والطب والهندسة وألفوا المطولات من المراجع العلمية، فالفراهيدي وابن ماجد وصاحب الكامل في التاريخ والشيخ الكندي صاحب القاموس وغيرهم لا نحصيهم عددا..
ويكفي عمان فخراً أن يتم فتح أول مدرسة نظامية في الجزيرة العربية في القرن السادس عشر الميلادي في قلعة جبرين على يد الإمام الرضي بلعرب بن سلطان اليعربي رضي الله عنه.. كما أن (الفلق) هي أول جريدة عربية تطبع كانت في زنجبار على يد العمانيبن رواد الحضارة وحكام العدل أعزهم الله سبحانه وتعالى.
العلم هو عصب الحضارة والمعلم هو قلبها النابض فلا عصب يعمل دون نبض!! وفي وصية الإمام الرضي لأهل عمان كانت في نشر العلم في القبائل العمانية حتى تنهض لمقاومة المستعمر..
فالعلم يبني بيوتاً لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم..!
و كم دولة نهضت من كبوتها بسبب المعلم.. و كم من دولة ليس لها من مصادر الطاقة سوى النزر اليسير لكنها استثمرت عقول أبنائها، وغذتها بالعلم حتى أصبحت هذه الدول في مقدمة الدول الصناعية الكبرى عالمياً، واصبحت يشار إليها بالبنان! فهذه سنغافورة وماليزيا وسلطنة بروناي، وقبلها اليابان وكوريا وغيرها من البلدان التي يسيل لعاب العالم للتعامل..
إن السياسة العامة ينبغى أن تستثمر في العقول وأن تسخر كافة الطاقات لذلك..
فكما يتم بناء الجيش العسكري للدفاع عن الأوطان مادياً، فإن جيش تنمية الفكر السليم وصقل المهارات لا يقل أهمية عن ذلك، إضافة إلى تشجيع الاقتصاد الوطني والاكتفاء الذاتي..
حفظ الله عمان على مر الزمان.. اللهم آمين.