الشبكة الإنسانية العنكبوتية (2)
د. طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
تعتبر بيئة العمل من الأماكن التي يتواجد فيها العاملون أكثر من وجودهم خارجها، مجتمعين بشكل منظم ومنسق يعكسون بذلك بيئة عمل تفاعلية، كلٌ يعمل حسب اختصاصه وطبيعة عمله، ولا ريب أن كل عمل يعتريه الاختلاف في وجهات النظر وسوء الفهم والاختلاف في الرأي العمل، فهذه الطبيعة البشرية، وما يكون ذلك في الأصل إلا لمصلحة العمل نفسه مع التفاوت في المستويات الإدارية والأعمال الوظيفية وهذا بطبيعة الحال لا يغيّر من أصل العلاقة وطبيعتها بينهم، إلا أن الملاحظ في بعض بيئات العمل عدم اكتمال حلقات التواصل بين المستويات الإدارية والتفاوت في التعامل بين العاملين على المستويين العمودي والأفقي مما يسبب مع مرور الزمن فجوة تزيد هوّتها يوماً بعد يوم مما يصعب بعد ذلك ردمها، وقد تأخذ العملية الإدارية منحى آخر من التعامل غالبا من يغلبه الطابع الشخصي والتعامل الفردي نهايك عن بطء إنهاء المعاملات اليومية وهذا لا شك أنه يضعف من مستوى الجودة الإدارية والإنتاج اليومي ويكون عثرة أمام التطور والإبداع.
إن التواصل الأفقي في الإدارة يساعد على التفاعل في المستوى الإداري الواحد وهو مهم لزيادة مستوى التنسيق بين الوحدات الإدارية في ذات المؤسسة مع توفير ما يلزم من الوقت لتنفيذ الأعمال، أما التواصل الرأسي فيأخذ شكله الهرمي من الأعلى للأسفل وما يتخلله من تعليمات وإشراف ورقابة وتوجيه، ومن الأسفل إلى الأعلى لمنح المرؤوسين المجال للتواصل لإبداء آرائهم ومقتراحاتهم وهذا يعطيهم الثقة للمشاركة في دفع وتطوير العملية الإدارية، ولمّا كانت العلاقة والتواصل بين العاملين في المؤسسة عامل مهم في سير العملية الإدارية، ولضمان ذلك يلزم الأمر أن يكون المستوى الإداري الأعلى على دراية تامة، ودرجة عالية من الخبرة والمهارة والمقدرة على التفاعل الإيجابي والشفافية والوعي أثناء التعامل مع العاملين على المستويين العمودي والأفقي، ويعدّ التفاعل المتبادل في بيئة العمل عامل مهم لقوية الشبكة الداخلية واكتمال الحلقات الإدارية وهذا يساعد بيئة العمل على الاستقرار والقدرة على التصدي للتحديات الداخلية والخارجية للمؤسسة.
إن التعامل من منطلق السلطة والسلّم الوظيفي مع العاملين وتجاهل الجانب الإنساني يفقدهم الدافعية لإنجاز الأعمال الموكلة إليهم ويعمل على انخفاض مستوى الانتاج اليومي وتعطيل مصالح الآخرين ويقودهم إلى تكوين علاقات غير رسمية بطريقة عفوية وهي العلاقات التي تنشأ بين شخصين وأكثر في محيط العمل ويكون لها دوافع من ضمنها:
1. تكوين العلاقات والصداقات مع الأفراد مما يحقق الإشباع لديهم ابتعاداً عن العزلة.
2. السعي لتحسين الأوضاع المادية والمعنوية من أجور وحوافز تحقيقا لبعض المكاسب.
3. نقل وتوصيل المعلومات بشكل أفضل وأسرع بين المستويات الإدارية وسد الفراغ حال فشل التنظيم الرسمي في ذلك.
4. السعي لإبراز كفاءاتهم ومهاراتهم من خلال الحصول على المساعدة والدعم من الأشخاص الآخرين.
5. مقاومة أي تهديدات من شأنها تعريض حقوقهم للخطر جراء القرارات التعفسة وحماية من الإدارات الدكتاتورية.
6. الحفاظ على تماسك الشبكة الإدارية في ذات المستوى الإداري.
لذلك فإن الأسلوب أهم من العمل نفسه، فإذا ما أحسّ الموظف أن التعامل كان أساسه الاحترام والتقدير المتبادلين، وأن آراءه وأفكاره متقبلة من قبل الإدارة العليا فلا ريب أن ذلك سينعكس على أسلوبه وتعامله وبالتالي يؤثر إيجاباً على تفانيه في إنهاء الأعمال الموكلة بدون تأفف أو ممل، وسيعمل كذلك على تطوير بيئة عمله، فكلما كان المسؤول قريباً من العاملين كلما كانت الشبكة الداخلية قوية ومتماسكة، وكلما كان المسؤول منصتاً جيداً كلما كسب بذلك قلوب مرؤوسيه، وكلما كانت القرارات والتوجيهات أساسها العدالة والشفافية كان ذلك مدعاة لأن يتجاوب الجميع معها وهذا يقوّي مكانة الموارد البشرية ويدفعهم للعمل بروح الفريق لإنجاح خطة المؤسسة والسعي من أجل تحقيق أهدافها.
إن حسن تطبيق مفهوم العلاقات الإنسانية يعتبر عنصراً أساساً في كافة التعاملات بين العاملين، فنجاح المؤسسات يأتي من استثمار المواهب والقدرات والطاقات البشرية وتسخير جهودهم في خدمة المؤسسة، ولا يتأتّى ذلك إلاّ من خلال كسب رضى العاملين فيها، وتقدير الجهود المبذولة والثناء عليهم وتحفيزهم وتوفير الظروف والبيئة المناسبة لهم وعدم دفعهم للقيام بأعمال إضافية في وقت راحتهم أو إلزامهم على تنفيذ أعمال خاصة، وإشراكهم في وضع الخطط التطويرية من خلال منحهم المساحة لطرح أفكارهم ومناقشتها والأخذ بالمناسب منها، كلها عوامل تعمل على كسب رضى العاملين وتساهم في تكامل الشبكة العنكبوتية وتكامل خيوطها وتقويتها.
وللموضوع تتمة في العدد القادم….