2024
Adsense
مقالات صحفية

بين أربع حقب، قصةٌ تُروى

 

بقلم : ‏راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو ‏مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية

بحمد وفضل من الله.. نشأتُ في أسرةٍ كريمة امتهنت التجارة منذ مئات السنين في مدينتي (سناو) حيث كانت عائلتي ذات صيتٍ تجاري عبر حقب عديدة وسنوات مضت من سنوات الدنيا المنقضية، لعل أشهر هؤلاء الأجداد في ذلك العهد تجارة الجد أحمد بن حميد بن راشد الراشدي والتي كانت قوافله التجارية تشق سهول وفيافي المنطقة محملة بشتى أنواع البضائع لتلبية ما تحتاجه مدينتي وما حولها من حواضر والتي كانت ترتاد سوق سناو التجاري المشهور منذ القدم .
عايشت من خلال أربع حقب تاريخ هذه التجارة ومآثرها عليَّ وعلى عائلتي الكريمة .
عايشت فيها الصبر والحكمة والمعرفة والذكاء واحترام الناس وتقدير الذات كما عايشت فيها حلول البركة والخير الذي وعد به الله تعالى عباده في سعيهم للرزق ؛
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
وقال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
“مَاَ أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًَا قَطُّ خَيرًا مِنْ أَنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه، وَإِنَّ نَبيَّ الله دَاودَ عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِه” وفي رواية: “إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ” .
أربع محطات أسردها سريعا سُعدت بالمرور من خلالها في رحلة الحياة.
أولها في مرحلة الطفولة وأول عهدي مع الدنيا حيث كان محل والدي وأعمامي رحمهم الله يتوسط سوق سناو القديم والمسافرين إلى المنطقة يقصدون هذا السوق لرواج تجارته وشهرته وكانت من أعظم المشاهد مشاهد الكرم من أهالي سناو وتجارها حيث كان يقيم المشترين والبائعين من خارج سناو في ضيافة أهلها لأيام عديدة وكان مجلس بيتنا الكبير المسمى (الرويشين) مزدحما بالضيوف في ذلك العهد .
وفي عام ١٩٧٥م انتقلت تجارة والدي وأعمامي إلى خارج سوق سناو القديم كأول المحلات التي تبنى حديثاً في تلك السنين ولتكبر قليلا تجارتهم العامرة بالخير والتي استمرت لسنوات عديدة في ذلك المكان كأول المحلات الرئيسية الكبيرة وقد عايشت تلك الحقبة لسنوات سافرت فيها مع أهلي إلى مدن وتعلمت خلالها أصول التجارة والمعاملات حيث كان الوصول لها حلما كمسقط ونزوى وصحار وصور ودبي بالإمارات العربية المتحدة ..
ومع مطلع عام ١٩٩٠ م انتقلت تجارة والدي رحمه الله إلى سوق سناو التجاري والذي أُسِسَ في عام ١٩٧٦م بعد أن اقتسم الأعمام تجارتهم وأصبح لكل واحد اسمه وسمعته وسجله التجاري لتبدأ مرحلة جديدة مع والدي رحمه الله في التجارة ولتنمو تجارته ويجتهد في أعماله التجارية في سوق سناو ولتنتهي المرحلة الثالثة أبان غلق سوق سناو التجاري بسبب جائحة العصر – كوفيد ١٩ – في العام الماضي.
ولننتقل أنا وإخوتي إلى محلات خارج السوق طلبا للرزق وحركة الناس ووجود المواقف المتسعة لحراكنا التجاري وكذلك لتطوير العمل وجودته وكفاءته ولتكن المرحلة الرابعة والمعاصرة .
بدأنا التجارة بحساب الدفتر والقلم وحساب حبات البن (القهوة) التي كنت أرقب أبي يحتسب بها أمام المشتري ثم بميزان الكف ومعيار (مَنْ) مسقط ومكيال الأرز إلى أن ظهرت الحاسبة والميزان العادي بالكيلوجرام واليوم وصلنا بحمد الله إلى الميزان الإلكتروني والاحتساب عن طريق الحاسب الآلي ونظام الفوترة والجرد الحديث .
إنها رحلة جميلة عايشت تفاصيلها وفصولها الرائعة ورأيت فيها الإخلاص لله وتعلمت فيها أداء الأمانة وأصول التجارة من بذل وعطاء .
#. سناو
الثلاثاء : ٤-٧-١٤٤٢ للهجرة
الموافق ؛ ١٦-٢-٢٠٢١ م

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights