2024
Adsense
مقالات صحفية

محاسبة الضمير

مياء الصوافية

غاب ضميرك  في غياهب مظلمة، ردمته عيناك التي ظللتها ملاينة عمياء وحادت به عن سُبل الحقّ  مودةً مرضية، أجل مودة مرضية لقلوبٍ تتوق للنزول إلى رغبتها وتركع  ملتمساً حبور أفئدتها وابتسامة فِيها.
وعلى هذا ضاعت معك ومع هذه الملاينة العمياء حقوق وجوهٍ صمتت؛ لأنك قيّدتها بأغلال تثبيطك وبالتواء شفتيك كنصف دائرةٍ من أعلى وبزفيرٍ من ضجر.
حاوَل الحقّ أن يُحيي ضميرك لكنك أعطيته أذُناً صمّاء، وإدبار منتشيٍ بنفسه، لم تعطه من النفس وعياً ومن السمع مراعاة.
اتّسعت مواويل الثناء منك لمسامع أناسٍ هضموا الواجب وتراخوا عن المطلوب، وانتظروا منك الركن المعين الملاين، وإن وجب هذا الثناء فهو بلا شكّ أحرى بأن يكون لمن صانوا الحق وامتثلوا للصواب وثبتوا أمام تهميشك وثنائية وجهك.
إلى أين يا هذا..!
أرُفع القلم عنك، أجفّت صحائفك؟
أخَرجتَ عن دائرة المحاسبة الإلهية؟
أين سلطتك الذاتية على نفسك؟ أمَا وجدتَ قاضيك الرادع في داخلك وهو يجثم على نفسك ويكبّلها من أن تنقاد إلى نوازع الرياء، ومتاهات الفساد، ويلقيها في أسواط تأنيب الضمير؟
ألمْ يغِب عن عينيك الكَرى وأشواك ضميرك تُدمي راحة نومك؟
بالله عليك أخبرني إن كانت صحوة ضميرك لا تطرق باب قلبك، وإن كنت بالفعل ركنت هذا الضمير في أكوام سوادك وغفلة أيامك.
فكم من ضمائر مغيّبة انتشرت معها فوضى الحقوق، فنِيلت لمن لا يستحقها، وحُرم منها الذي يستحقها و يرجو ولو شطراً منها ولا يبحث منها إلا عن عتبةٍ تخرجه من ضنك عيشه وحسرة مظلمته.
ارجع وحاسب نفسك، فالإيمان ما هو إلا ضميرٌ حيٌّ يرقب رضا الله في قضّ الأمور وقضيضها، فإن كان فاتراً فأوقد جذوته، وإن كان ضعيفاً فقوِّه، وإن رأيته متساهلاً في أمرٍ فأنرْ بصيرته.
واعلم بأنك بعد هذه المحاسبة ستشعر براحةٍ تسري في لطائف نفسك كمثل الارتواء بعد غلل.
ارجع فلن ينفعك حبور أفئدةٍ جاملتها على حساب نفسك مع غياب ضميرك. سيتبرّؤون منك في يوم العرض، وتتمنى كرّة الحياة الدنيوية؛ لتُنقي نفسك لكنها لن تعود، وأجزم ربما لن تنجو من شِباك محاسبتها.
فارجع أخي، إلى ضميرك الحيّ وقُد أفعالك إليه واجعله أمير ركْبها وغربال تصفيتها.
مثلٌ روسيّ: “في داخل كلّ منّا محكمة عادلة، تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا، هي الضمير”.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights