اخلصوا الوفاء والأمانة في حق اللهِ والوطن
خلفان بن ناصر الرواحي
الوفاء من أروع الصفات التي يتحلى بها المرء فهو الإخلاصُ و العطاءُ والعهد، بعيداً عن الخيانة والغدر، وبعيداً عن التعصب القبلي أو العرق أو النسب أو الجاه والمناصب، فهو يقرب الناس إليك ويقدرونك دون تكلف أو منة، ويقودك إلى الله مكانةً وشرفاً، كما أن مراقبتك لذاتك ولأعمالك وأفعالك وأقوالك يجب أن تكون حاضرةً في كلِّ حركاتك وسكناتك وفي كل موقف؛ فأجعل نفسك مراقباً لنفسك، وأحذر من الوقوع في المحذور وتأدب مع الله أولاً ومع ذاتك والآخرين لتسلم من الوقوع في وحل الظلالة وتنجو بنفسك وبالآخرين معك من الغرق، حتى لا تصبح حينها منبوذاً أو محتقراً، وانجو بنفسك قبل أن يفوتك القطار…
تذكر الوفاء في حق والديك وأهلك وأسرتك ووطنك بكل إخلاص وتفانٍ وهمة عالية، وتذكر كما أن لك حقوقٌ وواجبات فإن عليك مثلهم حقوقٌ وواجبات، وذلك حق الله والرحِم والوطن …
اعلم أن لك أصدقاء وبينكم وفاء وعهد؛ فإياك أن تفكر في الهجر والإنتقام من حدث عرض، ولا تنسب أعمالك لنفسك وتتباهى بها فيما تقدم من خير أياً كان نوعه مكتوباً أو عيناً محسوساً، صدقة أو هبة أو خدمة أو واجب وطني، فإن نجوت من مرض العظمة فذلك هو الرباط المقرون بالعقيدة الصحيحة يسودها التقوى وحب الوطن وقداسته.
تذكر أن لك جيران تقاسمت معهم حلاوة ومرارة الحياة، وبينك وبينهم حقوقٌ وواجبات، فاحذر من الهجر والقطيعة، ولا تقطع السلام عليهم لسوء ظنٍ منك، أو لهفوة عابرة، فمن طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والذنب، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون).
تذكر أن لديك زملاء دراسةٍ أو عمل، عشت معهم سنوات طويلة، أديتم الأمانة وصبرتم على مصاعبها بحلوها ومرها، فلا تهمل نفسك وتهملهم معك بالنسيان فتجعلهم من صفحات الماضي …
تذكر وفاءك وإخلاصك وتفانيك في عملك، استمتع به فاجعل نفسك أنت صاحب العمل وصاحب من تخدمه أو تقدم له تلك الخدمة والأمانة؛ فافرز أفكارك وطورها وتذكر أنك مؤتمن عليها، ولا تفرق بين من تخدم، فلا قرابة ولا نسب ولا حسب، وانتقِ الكلمات فيما تقول عند الحوار أو التصريح؛ وابتعد عن التجريح واستخدم الحكمة وحسن الخطاب؛ فالوطن واحد ويعيش في كنفه المواطن والمغترب…
حافظ على قلمك فيما يخط ويسهب من كتابة في بحور الأدب أو الثقافة أو السياسة أو شتى العلوم، وفيما تكتب في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة،وحافظ على لسانك من الزلة فيما تقول، وتذكر أن الناس مقامات ولكل مقام مقال، واختر ما يتناسب مع معطيات كل موقف، لأنك شريك في صناعة التغيير والتطوير وفي إيصال الرسالة والنصيحة، وأنت مرآة الثقافة والأخلاق للوطن، فحافظ عليها في حلك وترحالك، في وطنك وخارجة، في منابر العلم والمعرفة وفي مكان العمل، وفي وسائل الإعلام المختلفة في كل مكان وزمان…
وخذ نصيبك من الحياة، واستعد لما بعدها، متسلحاً بالوفاء والعطاء والإخلاص والأمانة، وكن جاهزاً لذلك اليوم، واجعل عبورك في الدنيا عبورِ كرامةٍ ووفاءٍ وعهد، واختر لك قاعدةً ربانية تعيشها مع نفسك ومع الآخرين في كل لحظات عمرك مصداقاً لقوله تعالى :- {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}-آل عمران ؛ فهي سبيل السعادة والنجاةِ والفلاح، وابتعد عن النعرة القبلية والجاه والنسب والمكانة والمنصب فهي زائلة لا محالة، فالوطن هو متسع للتعايش والسلام بالوفاء وبالإخلاص والتضحية.
وفوق هذا وذاك تذكر أنك مواطن بعض النظر عن الجاه والحسب والنسب والمنصب، واجعل نصب عينيك أن تاجك الدين والإخلاص والأمانة والوفاء للوطن ومن يعيش عليه من سلطان وغنيٍّ وفقير ومحتاج ومغترب؛ فالدين جعل الناس سواسية وهو الأساس والركيزة والعدل، والإخلاص والأمانة هي تاج الخلق الرفيع ومرآته، والوطن هو التراب الذي عليك أن تحترم، والسلطان هو رمزك في القدوة والتضحية، وكل ما على الوطن أمانةٌ مقدسة تتوجب المحافظة عليها، وعش يقيناً بأنك جزء لا يتجزء منه؛ فالوطن أنت وأنت الوطن …