ويبقى الوُدّ…
د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com
تتعدد الروابط بين الناس، وتتنوع بحسب الصّلة والغايات، أو الظروف والمناسبات. وقد تأخد أشكالًا من المظاهر في أسلوب التّعامل والمغانم. فإما تقوى بمرور الزمن، أو يعتريها ما يعتري العلاقات من تخلخل وانصهار، أو ضعف واندثار. فبقدر تقديس واحترام تلك الروابط، يكون عمق ومتانة الأثر، أو بقاء واستمرار الرجاء، وفي كلا الوجهين وبعد انقضاء زمان يبقى الود.
يمر الفرد بمواقف وحالات، قضايا وتحديات، تصل إلى أوج آثارها النفسيّة، فتضعف قوى الذات الداخليّة، وقد تتفاقم إلى مستوى الاضطراب والاكتئاب، معلنًا صاحبها الحاجة لتقوية صلابته النفسيّة. فلا يجد سوى التفاؤل وتقوية الجوانب الروحية، سبيلًا لإعادة توازنه، وتخطي يأسه، وفق أساليب واستراتيجيات وقائيّة. وفي كثير من الحالات يكون الوقت مبددًا لكثير من مسببات العراك، ومخففًا لوطأة ونتائج الصراعات.
العديد من العلاقات الزوجية، غير المتكافئة خاصة، يشوبها المدّ والجزر كظاهرة طبيعيّة لبحر العلاقات البشريّة. وقد تستمر كثيراً من تلك الروابط بتنازل وصبر مضاعف من أحد الأطراف، أو خفض سقف التوقعات من قبل الطّرف الاخر. فتسير المركب متأرجحة بحسب قوة الرياح الموسميّة أو متانة الروابط الأسريّة، فإما تصل إلى بر الأمان أو تغرق بمن فيها وسط عباب الحياة.
ومع مرور الزمن، وبعد خسائر ماديّة ونفسيّة طالت أحد أو كلا الطرفين، أو طاقم السفينة جميعهم. وقد التأمت الجراح، وهدأت النفوس، وقويت البصيرة، فرأت مالم تراه فترة الحروب الطّاحنة والسّهام القاتلة بين طرفين يُفترض أنهمها مبعث الأمان وأساس الاستقرار لأفراد ربطت بينهما روابط روحيّة، قبل أن تكون مواثيق شرعيّة.
إنّ محاولة الانتصار لشخص وذات أحد الزوجين، تحت مسمى الكرامة وعدم قبول الضّيم، قد تفضي إلى انكسارات مضاعفة عقب انقضاء الأزمة الزوجيّة. في حين أنّ الصّبر والتعاطي مع المواقف اليوميّة برويّة، تُكسب الطرفين ومن معهما مغانمًا، تُستثمر مستقبلًا في أجيال يفخرون بهمها، فتكون لهما من الذريّة سندًا يعينهما على تقلّبات الزمان وتغيّرات الحياة. لذا فإنّه من الأهمية بمكان التّوعيّة التأسيسيّة، وتكثيف الاستشارات الأسرية للمقبلين على الزواج، أو للمنتمين لأقفاص الحياة الزوجيّة؛ لحماية الأسر من ويلات التفكك الأسريّ وتقليل القضايا المجتمعيّة: سواءً أكانت اجتماعيّة، تربويّة، صحيّة، أو اقتصاديّة.