2024
Adsense
مقالات صحفية

الدور الرائد لأخصائي العلاج الطبيعي في مجابهة فيروس كورونا كوفيد 19

ناصر بن سالم السليمي

كورونا مصطلح يطلق على مجموعة من الفيروسات التي تسبب أعراضاً مشابهة للزكام والالتهاب التنفسي، وفي نهايات 2019 سجلت الصين عدداً من حالات فيروس كورونا مسبباً اعتلالاً حاداً في الجهاز التنفسي، ثم بدأ بعدها الفيروس في الانتشار في مختلف دول العالم بسرعة لا مثيل لها، وبأعداد مهولة حتى قامت منظمة الصحة العالمية في مارس 2020 ميلادية وأعلنت أن فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) كجائحة على مستوى العالم، بدأت على إثرها دول العالم بإتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية للحد من سرعة الانتشار.
رغم حداثة الفيروس وسرعة انتشاره وما نتج عنه من آثار لم تطل الجانب الصحي فحسب، بل واجتازت حتى شملت الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي على حد سواء.

يعكف العلماء والمختصين في شتى أصقاع الأرض على دراسة وتفنيد ماهية الفيروس وكيفية تفاديه والحد من انتشاره، وصولاً للرغبة في التوصل إلى لقاح يساعد على الشفاء، وأجمعت أغلب الأبحاث أن الأعراض الشائعة لفيروس كورونا (كوفيد-19) تتضمن الحمى، السعال، التعب وصولاً إلى آلام العضلات، التهاب الحلق، الصداع وألم في الصدر، وقد توصلت بعض الدراسات لأعراض أخرى كثيرة ولكنها أقل شيوعاً مما سلف، كما وتتراوح شدة الأعراض من مريض لآخر بين خفيفة جداً إلى حادة تتطلب تنويم المصاب في جناح العناية الحرجة والحاجة لمساعدات التنفس الاصطناعي بمختلف درجاتها وأنواعها.

تقوم اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا بدور فعال في الحد من انتشار المرض وتثقيف المواطن والمقيم على حد سواء، إلا أن الأعداد في ازدياد متواصل ليس على الصعيد المحلي فحسب بل وعلى الصعيد العالمي كذلك، حيث أشارت الإحصائيات إلى تخطي عدد الإصابات 99 مليوناً على مستوى العالم، كما وصل عدد الوفيات إلى 2 مليون و مائتي ألفاً، والأرقام في ازدياد يومي، كما أشارت الإحصائيات على المستوى المحلي في السلطنة إصابة 132 ألفاً من المواطنين والمقيمين وتخطى عدد الوفيات أكثر من 1500 وفاة.

إن الإحساس بصعوبة الواقع وفظاعة الموقف أسفاً لا يكون إلا من خلال الإصابة بالفيروس والإحساس بصعوبة الأعراض أو من خلال كونك أحد أفراد الكادر الطبي المجاهد كالبنيان المرصوص بمختلف التخصصات، عاملين بلا كلل ولا ملل كطاقم سفينة في وسط بحر يحاول جاهداً تخطي جائحة كورونا (كوفيد-19) والوصول بها إلى شاطيء الأمان، يحاول لمس الآباء والأمهات المصابين والتخفيف من روعهم ويناضل لطمأنة الشباب منهم، مبتهلين أن تمر تلك الأيام بسلام ويعود كل مصاب منهم إلى أهله وبيته وملاذه، فليس من السهل أن تسمع أنات المصابين أو شهقاتهم وهم يجاهدون كالمخنوق للحصول على نفس آخر يُمكِّنهم من العيش للحظة القادمة، لست هنا بصدد أن أكبر الجهود الجبارة التي يقوم بها الكادر الطبي فهي لن تحصى أبداً، وكما قيل أن لكل حرب جنودها وهم جنود هذه الحرب وهم أجدر وأقدر بمعية الله، على أن يثبتوا جدارتهم وأهليتهم وقدراتهم، ولكن يجب على الشارع أن يعي، ويجب أن تصل الرسالة بشكل أو بآخر أنهم يناضلون ويكافحون، وأن الأيام لا تمر عليهم سراعاً وأن الساعات لا تنقضي بسهولة، وأن التنفس من خلال الأطقم المصممة والكمامات المتراكمة فوق بعضها ليس هيناً أيضاً، وليس سهلاً أبداً، إذ أنهم يكابدون أيضاً شهيقاً وزفيراً من أجل كل مصاب، وكما أن لهم آباء وأمهات أطفالاً وأزواجاً، يخافون عليهم ويأملون أن لا يصيبهم أذىً وأن لا يطالهم مكروهًا.
كما أسلفت في مقالي هذا؛ أن الكادر الطبي يعمل معاً صفاً واحداً لمجابهة الوباء والأخذ بأيدي المرضى والمصابين على حد سواء، ليس لأحدهم فضلاً على الآخر فكل واحد منهم له تضحية، ويقدم نفسه فداء لكي يخدم المريض في مجاله وتخصصه، في مقالي هذا سأتحدث عن فئة معينة من جنود هذه المعركة الأشاوس، يقفون مع إخوانهم وأخواتهم ممرضين وأطباء وفنيين ومضمدين ألا وهم (أخصائيو العلاج الطبيعي) ، لقد أثبتوا واجبهم ووطنيتهم على حد سواء فكان لهم السبق في التواجد بين الصفوف، وكان لهم الأثر في رسم الابتسامة على المرضى ولهم بعد الله الفضل في استعادة المريض لنمط حياته والعودة إلى المجتمع كفرد منتجاً معطاء مكملاً بذلك اللحمة الوطنية والرسالة السامية التي يقدمها هذا الشعب الأبي.

وتبدأ رحلة أخصائي العلاج الطبيعي مع مريض كورونا من أول يوم يدخل فيه المريض إلى المستشفى ويبدأ بطمأنته والوقوف إلى جانبه وتعليمه طرق التنفس السليم والوضعيات التي تساعد الرئتين على العمل بشكل أفضل لكي يضمن استقرار الحالة وكفاءة الجهاز التنفسي في القيام بمهامه في الجسم، ثم يشرع في بعض التمارين البسيطة التي تساعد على نشاط الجسم والحركة الدموية على حد سواء، كذلك تفادي الإصابة بمضاعفات أخرى ناتجة من النوم لمدة طويلة على السرير منها على سبيل الذكر (ضمور العضلات، تصلب المفاصل، التقرحات السريرية).
وفي بعض الحالات يتفاقم الوضع الصحي للمريض مما يستدعي الاستعانة بأجهزة التنفس الاصطناعي للقيام بمهام الرئتين وضمان كفاية الجسم من الأكسجين اللازم، في هذه الحالة يتم تخدير المريض حتى يتفاعل إيجابياً مع جهاز التنفس وتبدأ الرئتان في التحسن، ولكن بالرغم أن جهاز التنفس الاصطناعي أثبت جدارته وفعاليته في تحسن الكثير من الحالات المصابة بكورونا (كوفيد-19) إلا أن هنالك أعراضاً جانبية ناتجة عن استخدام الجهاز، وكذلك بسبب تخدير المريض لأيام تمتد في بعض الحالات لتصل شهراً أو أكثر، ومن هذه الأعراض (ضمور حاد وضعف في العضلات، تصلب في المفاصل، تجلط الأوردة العميقة، تقرحات السرير، التهاب رئوي، فقدان الاتزان، اعتلال المقدرة على المشي) من هنا يأتي الدور الحيوي لأخصائي العلاج الطبيعي في تفادي الإصابة ببعض ما سبق من أعراض وكذلك تقويم وتخطي ما ينتج منها. أثناء فترة تنويم المريض واستخدام جهاز التنفس الاصطناعي غالباً ما يحدث التهاب رئوي يسبب تراكم السائل المخاطي، مما يعيق عملية التبادل الأكسجيني في الرئتين، لذا يقوم أخصائيو العلاج الطبيعي باستخدام التقنيات اليدوية وتغيير وضعيات المريض من ثم استخراج تلك السوائل عن طريق أجهزة الشفط مما يؤدي إلى تحسن كفاءة الرئتين.
كما يقوم الأخصائيون أيضاً بتحريك أطراف المريض لتفادي تصلب المفاصل وضمان دورة دموية سلسة وتفادي الإصابة بتجلط الأوردة العميقة. وبالتعاون مع طاقم التمريض يتم تغيير وضعية المريض من وقت لآخر لتفادي الإصابة بالتقرحات السريرية.

ويقوم الأطباء في العناية الحرجة لمرضى كورونا (كوفيد -19) بمتابعة حالة المرضى بشكل دوري ومستمر، ويتم تخفيض نسبة الاعتماد على الجهاز التنفسي تدريجياً من المريض وكذلك نسبة التخدير بناء على التحسن الملحوظ في كفاءة الرئتين ونسب الأكسجين الطبيعية المنقولة عبر الدم من خلال فحص نسبة الغازات في الدم، بعدها يتم نزع جهاز التنفس الاصطناعي وإيقاف الأدوية المخدرة للمريض.

تشير العديد من الدراسات إلى أن المريض المنوم في العناية الحرجة يفقد ما مقداره 3% يومياً من كتلة العضلة؛ لذلك بعد تخطي المريض لفترة التخدير والتنفس الاصطناعي يعاني غالبية المرضى من ضمور وضعف في العضلات يتراوح بين البسيط والحاد بناء على المدة الزمنية التي قضاها المريض في وحدة العناية الحرجة، وهذه النسبة كفيلة في أغلب الأحيان إلى اعتلال الاتزان والحركة لدى المريض؛ لذا فإن دور أخصائيو العلاج الطبيعي يتضاعف في هذه المرحلة ويبدأ الأخصائيون في تمارين تقوية العضلات وتمارين الاتزان في كل من وضعيات الجلوس والوقوف، وبعد تخطي هذه المرحلة تأتي مرحلة التدريب على استعادة القدرة على المشي بالتدريج وتختلف المدة التي يحتاجها كل مريض عن آخر حسب القوة البدنية للمريض والسن وكذلك التاريخ المرضي السابق لكل مريض.
أخيراً وليس آخراً، عندما يكون المريض قادراً على ضمان جودة تنفس بدون استخدام الأجهزة المساعدة ويستعيد قدرته على آداء الوظائف الحيوية اليومية البسيطة، كالاتزان والمشي بدون الاعتماد على مساعدة خارجية يقوم غالباً الطبيب المشرف على الحالة بترخيص المريض للمنزل، ولا يقف دور أخصائي العلاج الطبيعي عند هذا الحد فحسب بل يحتاج المريض غالباً إلى تمارين مكثفة متواصلة، تكون عن طريق الوصفة المنزلية للتمارين التي يصيغها الأخصائي للمريض قبل مغادرته المستشفى أو من خلال المواعيد المستمرة من خلال منافذ العيادات الخارجية للتأهيل الطبي في مختلف محافظات السلطنة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights