الكتاب المهجور
بدرية بنت حمد السيابية
تناولت “نادية ” كتاباً مركوناً فوق رف مهجور بين زوايا غرفتها، وجلست على كرسيها الهزاز حاملة بين يديها “الكتاب” . بالقرب من نافذتها الصغيرة ترفرف على نافذتها ستارة بألوان جميلة ممزوجة بين لون الربيع والخريف، ونظرت للكتاب بتمعن، أحست وكأنه يُخاطبها بنبرة صوت حزين قائلاً : ” أخيراً حملتيني بين يديكِ.. فقد مر وقتاً طويلاً، ولم يحملني أحد، وستنظر عيناكِ لحروفي، وينطق لسانكِ كل كلمة كُتبت على صفحاتي فأنا حقاً في غيابك أصبحتُ مهجوراً بدون وطن يحتويني ولا أرضاً تحتضنني.
أكملت” نادية” مسيرتها في تصفح أولى صفحات الكتاب- فما أجملها من كلمات كُتبت بكل تسلسل وسرد رائع واندمجت كثيراً بما كتب في هذا الكتاب-كانت تعيد قراءة الأسطر مراراً وتكراراً، حيث أنها لا تريد الانتهاء من القراءة، عيناها تراقب كل حرف من حروفه حتى لا يفوتها شيئاً، تناولتُ قهوتها المميزة والمفضلة مصحوبة معها بسكويت ذات الشكل الدائري منثوراً فوقه حبيبات من السكر والملح تتلذ “نادية” بطعمه اللذيذ.
حلّ المساء وأكملت تصفح كتابها الجميل وكلماته الأكثر من رائعة أعجبها خيال الكاتب كثيراً فسرحت هي كذلك في خيالها العميق بين حروفه التي تتراقص فرحاً وسعادة، واقتربت على نهاية قراءة صفحات الكتاب ولكن النُعاس غلب عيناها الجميلتين مستسلمة للنوم -النوم سلطان- فوق كرسيها الهزاز،
وراحت في سبات عميق مع أحلامها، إلى أن أشرقت الشمس بخيوطها الذهبية عبر نافذة غرفتها تدغدغ وجه “نادية”، تعلن عن يوم جميل. استيقظت “نادية” مفزوعة تبحث عن كتابها فلم تجده في يدها.
وظلت “نادية ” تبحث عن كتابها في كل زاوية من غرفتها! لعله وقع من يدها أثناء نومها! ولكن دون جدوى،، وظلت نادية تفكر في الكتاب كثيراً، وقالت في نفسها : أيعقل أنه حلم أو هلوسة أو أني كنت أتخيل أقرأ كتابا.. حقاً إنه أمر غريب؟!. بعد ساعة من البحث و التفكير الذي أرهق “نادية “، حينها تذكرت أنها كانت يوماً من الأيام ترتب مكتبتها الصغيرة ذات الأرفف المصنوعة من خشب “الساج”، المصبوغة بدهان يشبه لون “الجبال” وقد أهديت لها هذه المكتبة الصغيرة.
تذكرت بعدها بأنها في يوم ما كانت لديها كتب كثيرة، البعض قد أهُديت لها والبعض الآخر اشترتها من المعارض التي تقام في منطقتها وأحبت أن ترتب هذه الكتب وتنظيفها من الغبار وتأخذ الجديد وتحتفظ القديم في مكان بعيد، حينها لفت انتباه “نادية” غلاف أحد الكتب وهو بحالة يرثى لها وقالت: قد مر عليك وقتا طويلاً من الزمن وأصبحت بالياً واختفى عنوانك دون رجعة، وقسى عليك الزمن فأنت حقاً مسكين!. وضعت “نادية” الكتاب في صندوق وغلفته جيداً، ووضعته في غرفة من غرف منزلها المظلمة، مغلقة النوافذ وكأنها تعاقب هذا الكتاب وتبعده كل هذا البعد عن أنظار الجميع.
نزلت دمعة مخنوقة بذكريات مؤلمة على خد “نادية” وأحست بظلمها الكبير بحق هذا الكتاب وحكمت عليه من شكله ومظهره ولم تدرك أهميته الجميلة المخبئة بين سطوره، فكل حرف كتب من فكر وإبداع لينتج وراء كل حكاية نهاية سعيدة. نزلت نادية مسرعة تسابق خطواتها لتنقذ هذا الكتاب من الإهمال، وعدم المبالاة له، والتقليل من قيمته الثمينة فهو كنز ثمين، بحثت عن الصندوق بين زحام المهملات التي تركت أياما وشهورا منسية تردد بعض الكلمات أين أنت؟ أين أنت؟ فأنا حقا آسفة!.
وبعد بحثها عن الكتاب بكل جهد واستمرار وجدت الكتاب ومسحت عنه الغبار فتطاير الغبار بعيداً كدخان تلاشى في الهواء وأخذته بين أحضانها، وفتحت صفحاته البيضاء لتجد كل الحروف تتراقص فرحاً وسعادة لترسم لوحة كاملة بعبارات جميلة، ابتسمت “نادية” وقالت: كان الحلم هو إشارة لي للبحث عنك، لذلك ستكون رفيقي للأبد في حلي وترحالي، أعتذر منك على إصدار حكم ظالم في حقك يا صديقي، ولا يجب عليَّ أن أحكم عليك من شكلك أو مظهرك، وصعدت إلى غرفتها وبرفقتها كتابها المهجور.
ملاحظة/ اسم الشخصية من نسج الخيال.