2024
Adsense
مقالات صحفية

غربةٌ وألم

‏راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو ‏مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
—————————————-

كانت تطوف البيت كطفلةٍ بريئةٍ حملتها مجاديف الحياة لتتربّى في بيتٍ دافىءٍ مليءٍ بالحنان والأخلاق الرفيعة ولتتخرج على وقع الحياة في أنوثة المرأة الحالمة بكل أشكال الحياة المخملية ولتكون الابنة الصالحة من بيتٍ كريم وسعيد بأبنائه.
اختارت من اختارها لتكوين بيتٍ جميل سيكون جنينة الحياة السعيدة ولتملأه العروس بكل أنواع الزهور والورود والنفائس من أريج الحياة الزاكية.
ترقُب طفلاً سيولد بين أحضان تلك البكور ليدق ذاك البيت، وخطباً سعيداً سينير البستان بأنواره الزاهرة.
عندما ولدتْ ملاك الكون في ذلك البيت القانع بما ارتضاه شريكاه من حياةٍ صالحة ازدانت السعادة في قلب أمها التي قبّلتها قُبلة اللقاء وفرحت بها فرح الوالد بولده.
كان الجدّان والإخوان والأهل سعداء بهذه النعمة والكرامة الإلهية، ولتبدأ رحلة المعاناة والألم بعد مجيء الطفلة برحلة إلى دولةٍ عربية كمعلمةٍ في إحدى المدارس، وليكون دور الأمّ في أول عامٍ لها وحيدةً مع ابنتها لتأمين حياة كريمة.
تضحياتٌ جِسام لزوجةٍ في عشرينيات عمرها من أجل كفالة أسرة وتثبيت بيتٍ ونجاح علاقة زوجية.
سهرٌ وألمٌ وتفكير وكفاح من أجل الغد لا يعلم سرّه إلا الله، والزوج ينقطع عن زوجته الصبورة لأشهر، بل لسنوات، وآلام الغربة والفراق تقطع أحشاء من تكبّلت تلك الهموم والأحزان وما زالت مبتسمةً صامدة يشرق جمالها من إيمانها ورسالتها السامية النبيلة.
قابلتها وهي تقول: خُلقتُ لابنتي، وسأكون لها، وأضحي من أجلها،
وسأرفع معولي لأفُتّ الصخر وأصنع منه سُلماً للسماء؛ لأحلّق عاليةً بكرامةٍ وعزة.
فألم الوحدة قطع أوصالها بعد وفاة والدتها، وهي في غربتها بعيداً عنها، وزاد من تلك الزفرات المحمومة والآلام المجتمعة في ثوب شابّةٍ لم تبلغ الثلاثين من عمرها.
هي مرحة فرحة لا تحب الظلم، لكنها تقضي وقتها من أجل حياةٍ كريمة لأسرتها.
الأنفس سلطانها، قناعتها بما قُدر وكُتب، وهي تؤمن بكل ذلك، وتؤمن بأن الأقدار بيد الله.
وعندما يندفع القدر نحوها تسارع للصبر من أجل الهدف الأسمى ابنتها ذات التسع سنين.
كلماتها ممزوجة بكفاح السنين لكنها دُرر للأنفس كي تصبر وتبني وتبتسم فليس للبشر غير القناعة بما كتب الله وقدر.
اليوم تعود مبسوطةً؛ لتبوح لي بكلمات شكّلت جزءاً يسيراً من تجربتها، والباقي لم أجد له تفسيراً.
وختاماً أدعُ الله أن يكون جزاء من صبر وكافح فرجاً من الله في الدنيا ورضاه وجنته يوم الآخرة.
فالحياة قسوة وألم وكفاح يتبعه يسر وسعادة وفرج، فعسى الله أن يُضحك سنّ من عانت كل ذاك الألم.
فهي بين غربةٍ وألم وصبر من أجل أن تستعيد بريق الحياة حولها؛ لتنمو طفلتها سعيدة.
# سناو :
الأحد : ٣ -٦ -١٤٤٢ للهجرة
الموافق : ١٧ -١-٢٠٢١ للميلاد

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights