2024
Adsense
قصص وروايات

حكايات مدفونة – الجزء الأخير من قصة حبة العنب

بدرية بنت حمد السيابية.

بعد لحظاتٍ خرجتْ”حبة العنب” من الباب ليراها الرجل وقالت له:
هذا هو شكلي ومنظري – حجمي صغير يشبه حبة العنب- استغرب الرجل من مصدر الصوت والتفَت يميناً ويساراً فلم يرَ شيئاً، فقالت له: انظر تحت، شاهد الرجل “حبة العنب” وكأنه رأى شبحاً يخرج من مكانٍ مظلمٍ وقال: سبحان الله الخالق ما الذي تراه عيناي هل أنا أحلم؟

اقتربت حبة العنب من الرجل وقالت: لا تخف مني ولكني أريدك أن توصل هذا الكلام مني لسيدك “علي” وقل له بأن ابنة عمك في انتظارك، كنتُ لا أعلم بأن لديَّ أقارب وكنت خائفةً أن أعيش هكذا حياة وحيدة بين هذا الهدوء والصمت القاتل في نفسي، وعندما علمتُ بوجودك في هذه الدنيا أحسست بالأمان والطمأنينة لينتشلني من عالمي هذا.

ضحك الرجل بسخرية على حبة العنب وقال: وهل تعتقدين بأن سيدي سيصدق هذا الكلام؟ وظلّ يضحك ويقهقه.
بكت حبة العنب، واقتربت من الرجل قليلاً والدمعة حبيسة عينيها وقالت: أتمنى أن توصل كلامي هذا لابن عمي، فنظر الرجل لحبة العنب نظرة شفقة وأخذ نفساً عميقاً وقال: حسناً، سأخبره بكل ما قلتهِ لي.

حينها انصرف الرجل متوجهاً إلى  “علي” ليخبره عن حبة العنب إلى أن التقى به، بدايةً كان متردداً كيف سيوصل رسالة حبة العنب له وهل سيصدقه؟ وكيف سيكون شعوره عند إخباره بذلك؟ فقال “علي” ما بك يا رجل لِمَ أراك متردداً هكذا؟ قل ما لديك، فأخبره بكل كلمةٍ قالتها حبة العنب، فوجئ “عليّ” وقال: ماذا تقول؟ فذهب “علي” مسرعاً يسابق خطواته ونادى أمه بصوتٍ عالٍ، أمي أمي فقالت أمه: ما بك يا “بنيّ” لماذا تصرخ هكذا ماذا هناك؟ فقال “علي” سأسألك سؤالاً يا أمي وأريد إجابةً صريحة منكِ، فردّت الأم: سَل يا “علي” ما هو سؤالك؟
“علي”: هل صحيح بأن لديَّ عمّ وزوجته اسمها “غيثاء” ولديهما ابنةٌ تدعى “حبة العنب” وأن حجمها كحبة العنب؟ فقالت الأم: ماذا تقول يا بُني من أين أتيت بهذا الكلام؟ قال “علي” أجيبي يا أمي!  فتغيرت ملامح وجه الأم وقالت في نفسها: إذا أخبرته بأن لديه ابنة عمٍّ سيفكر فيها وسيجلبها معه للبيت لتعيش بيننا وأنا لا أريد ذلك، سنكون أضحوكةً بين الناس، إلى أن أتى صوت “علي” يتردد في مسمع أمه يقول: أجيبي يا أمي على سؤالي.

قالت الأم: نعم يا بني لديك عمّ ولديه زوجة وابنة ولكني لا أعرف عنهم شيئاً منذ زمنٍ طويل، فلا تشغل بالك بهم، فقال “علي” كيف لا أشغل بالي بهم ولماذا لم تُعلميني بهم،  عمي وزوجته قد فارقا الحياة تاركين وراءهم ابنتهم لا أحد يعلم بحالها ولكني يا أمي سأعوضها عن الأيام القاسية التي عاشتها بعيداً وحيدة. غضبت الأم من حديث ابنها وقالت: لا تذهب إليها ستجلب العار لنا من شكلها هذا، لم يستمع “علي” لكلام أمّه، كان مؤمناً بأن اهتمامه “بحبة العنب” ستجلب له السعادة، وفي اليوم التالي ذهب “علي” برفقة الرجل ليدلّه على مكان “حبة العنب”.

بعد مرور ساعاتٍ على الطريق وصلوا للمكان المقصود فقال الرجل لسيده: هذا هو بيت “حبة العنب” فنظر للبيت فوجده قد أهلكه الزمن واندثرت ملامحه المزخرفة وسقطت بعض جدرانه فقد مرّ زمنٌ طويل على تشييده وعصفت به الرياح ولم يعد كما كان.
طرق “علي” الباب عدة مراتٍ فإذا به يسمع صوتاً عذباً من خلف الباب، سرح بخياله بعيداً يقول له: من هناك؟ قال : أنا من أردتِ رؤيته فأنا هنا الآن ملبٍّ لطلبك يا ابنة عمي. ابتسمت حبة العنب خجلاً وقالت: هذا أنت يا “علي”؟ قال: نعم افتحي الباب.

فتحت حبة العنب الباب رافعةً رأسها الصغير ونظرت لذاك الوجه الحسن وابتسمت بفرحٍ وقالت: أنا سعيدةٌ جداً بقدومك يا “علي”.
حكت “حبة العنب ” قصتها لابن عمها وهو مستمعٌ إليها وينظر إلى شكلها البريء والغريب قال” علي”: ما رأيك أن تأتي معي للقصر وتعيشي بيننا؟ ردت قائلةً: لا يا “علي” لا أريد أن أسبب لك الإحراج مع أمك، فأنت شخصٌ معروف في البلدة.
قال “علي” لا يهمني الناس فأنتِ عشتِ بعيدةً طوال هذه السنين وحيدة، ومن حقكِ العيش بين الناس ولا تستحي من شكلكِ فأنا قنوعٌ بكِ.
رفضت “حبة العنب” طلب “علي”.

وظلّ “علي” يزور حبة العنب بين الحين والآخر يتفقد أحوالها حتى سمعت أمه بتواصله الدائم مع “حبة العنب” فلم يعجبها ذلك وقالت لابنها: أريدك أن تقطع تواصلك معها.
ولكن “علي” رفض ذلك وقال: سأتزوج من ابنة عمي “حبة العنب”. فقالت الأم: ماذا تقول وزواجك على ابنة أكبر تجار البلد؟ ماذا سأقول لهم؟ خرج “علي” من المنزل ولم يعطِ أمه جواباً وتوجه إلى منزل “حبة العنب ” ليزفّ لها خبر زواجه منها فكان”علي” مقتنع بقراره وإصراره على الزواج من “حبة العنب”.
طرق الباب عدة مرات ولم تفتح له “حبة العنب” الباب وظل ينادي بصوتٍ عالٍ: افتحي الباب لديَّ خبرٌ يسعد قلبكِ يا “حبة العنب”.

بعد محاولاتٍ كثيرة كسر “علي” الباب وظل ينادي أين أنتِ يا “حبة العنب”؟ فتوجه ” علي” إلى إحدى الغرف فوجد “حبة العنب” ملقاةٌ على الأرض، ركض “علي ” مسرعاً نحوها وحملها بين يديه يبكي وينادي اسمها بصوتٍ حزينٍ وتأكد حينها أن “حبة العنب” قد فارقت الحياة ولم تحقق حلم حياتها والعيش مع ابن عمها.
وماتت الفرحة في قلبها.
حزن “علي” على فراق “حبة العنب” التي ودّعت الحياة تاركةً وراءها قصة تحمّلها وصبرها على متاعب الحياة. وهنا تنتهي قصة “حبة العنب”

وما زالت هناك حكايات مدفونة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights