أول إجراء في نظام التحكيم
ظافر بن عبدالله الحارثي
نظام التحكيم سابق على قضاء الدولة والمحاكم في الوجود وفي مسألة فصل النزاعات بصورة عامة، ولعل أهم صورها تتجلى في نظام القبيلة وزعيمها الذي يحتكم عنده المتخاصمين من أجل أن يفصل بينهما؛ وهذا يؤكد لنا إطراد هذا النظام وقدمه بل واستمراره إلى يومنا هذا، وبالرغم من ذلك إلا أن هناك مجموعة من الأفراد بيننا لا يعلمون التحكيم كوسيلة من وسائل فض النزاعات والتي أقرتها الدولة وكفلت لها التشريعات اللازمة لتنظيمها، وقيدت ممارستها بشروط حتى تضمن كفاءة هذه الوسيلة ورفدها ضمن المنظومة العدلية التي تسعى لتحقيق رسالة العدالة الناجزة والحقوق المذكورة في النظام الأساسي لدولة لا سيما المتعلقة بالقوانين والقضاء.
يقصد بالتحكيم ما جاء في قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ أي احتكم الخصمان إلى الحاكم لرفع خصومتهما إليه، وإذ ما نظرنا للأثر الذي يخلفه هذا النظام نستوعب حجم الاهتمام وفي اعتباره مرفق من مرافق المنظومة العدلية، بل نتفهم أسباب سماح تواجد هذا النظام من قبل الدولة للأفراد، ومشروعية اللجوء له لطالما توافقت إرادة المتخاصمين ولأسباب منطقية عديدة لعل أبرزها هو تخفيف العبء على محاكم الدولة.
المادة الرابعة من قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية الصادر بمرسوم سلطاني رقم 47/97 نصت بأن “التحكيم يتفق عليه طرفي النزاع بإرادتهما الحرة ” ويتبين لنا بأن التحكيم قائم على إتفاق إرادتين تتم بموجب (إتفاق التحكيم) وهو إجراء ضروري يترتب على تمام تنفيذه صحة إجراء التحكيم ووجوده أصلا، وبحسب المادة العاشرة من القانون ذاته عرفت اتفاق التحكيم بكونها ” الاتفاق الذي يقرر فيه طرفاه الإلتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة أو عقدية كانت أو غير عقدية”، فاتفاق التحكيم عقد وبالتالي تتضمن شروط مثلها مثل باقي العقود تتمثل في الشروط الموضوعية والتي تتكون من الأهلية والمحل، والرضا، والشروط الشكلية والتي تتمثل في أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا؛ لأن الكتابة شرط لوجود التحكيم إلا أن المشرع لم يشترط صورة معينة للكتابة، ومن جانب آخر إجراء اتفاق التحكيم يمكن أن يتم بصور مختلفة إما بصورة شرط التحكيم وهو اتفاق التحكيم الذي يتم قبل حدوث النزاع، حيث أن أهم ما تتميز به هذه الصورة هي أنها تحدث قبل حدوث النزاع أي أن إرادة الطرفين اتفقا على التحكيم قبل حدوث خلاف بينهما؛ حيث يمكن أن يتم كبند من بنود العقد وإما أن يكون شرط التحكيم في ورقة مستقلة عن العقد الأصلي وفي الحالتين لا يشترط ذكر المسائل التفصيلية على اعتبار أن النزاع لم يحدث أصلا.
أما الصورة الثانية هي مشارطة التحكيم ويتمه طرفي العقد بعد حدوث النزاع، وفي هذه الصورة يعد ذكر المسائل الجوهرية ضروري وذلك على أساس أن يترتب عن عدم القيام بهذه الخطوة بطلان مشارطة التحكيم؛ أما الصورة الاخيرة هي التحكيم بالإحالة وتتحقق هذه الصورة عندما يحال العقد إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط التحكيم، والملاحظ في هذه الصورة بأن ذلك قد يحدث في حال كان طرفي النزاع اعتادا إبرام العقود وبينهم تجارب سابقة حيث يقومان بالإحالة على اعتبار بأن هذا البند أو الإجراء يسري في جميع معاملاتهم متى ما قصدوا ذلك فعلا؛ مما يترتب على أن تحدث هذه الصورة بألفاظ صريحة.
وبعد إبرام اتفاق التحكيم تستبعد قضاء لدولة من النظر في النزاع؛ وذلك نظرا لسلب التحكيم الاختصاص منها مما يجعل هيئة التحكيم هي المختصة بالنظر، وقد تتكون هذه الهيئة إما من محكم وإما من مجموعة من المحكمين على أن في حال زيادتهم عن شخص واحد يستوجب أن يكون عددهم فرديا وهي مسألة متعلقة بالنظام العام حالها كحال مسألة نوعية القضايا التي تنظر فيها هذه الهيئة، وبعد تكوين هيئة التحكيم نكون قد انتهينا من الإجراءات الأولية لتأتي بعدها مجموعة أخرى من الإجراءات التي تحدث أثناء وبعد التحكيم.