الدكتور : طالب بن خليفة بن سيف الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون بنظام دقيق بديع محكم لا تداخل ولا اضطراب، كل يجري لمستقر معلوم وفي مجرى معلوم في وقت معلوم، قال تعالى: ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)) [القرآن: الفرقان: 2]، وتعد الفوضى من الآفات التي يحاربها الإنسان السوي فهي عقبة كؤود ضد النجاح والتطوير وعكس الفطرة التي فطر الله البشر عليها. تعتبر الأنظمة في المؤسسات الدعامة الرئيسة لضمان نجاح الأعمال مهما كان نوعها وطبيعتها، وقد عرّف بعضهم الفوضى بأنها: تداخل الأعمال وعدم التمييز بين الأمور وأهميتها واختلاطها مع بعض، فكلها تكون متساوية مع الشخص مما يتسبب في تضارب الأوقات والمصالح وينتج عنه خلل في التسلسل العملي الوظيفي.
إن إهدار الوقت وعدم ترتيب الأولويات، وتراكم الأعمال وتأخر إنجازها في الوقت، وبذل الجهد في أعمال ليست ذات أهمية، وإحداث فوضى في المحيط الذي نعيش فيه سواء الأسري أو العملي على حد سواء، فإن هذا ما يطلق عليه بالفوضى الإدارية، ولذلك جاء عميد الفلاسفة (بيتر. أف.دراكر) عام 1954 بنظرية الإدارة بالأهداف (Management By Objectives) التي تقوم على أساس إنجاز الأهداف، والالتزام بالعمل، وتحديد مناطق المسؤولية لكل فرد، حيث تُستخدَم هذه النظرية كمعيار في توجيه النشاط الإداري، وتقييم وتحسين الأداء العملي، وقياس إنتاجية العاملين، من خلال قياس الكفاءة الإدارية وكفاءة العاملين أنفسهم، والمقارنة بين الإدارات المختلفة في نطاق المؤسسة نفسها، ومقارنتها مع المؤسسات الأخرى، إذ أن الكفاءة تتضمن تسخير كافة الجهود والموارد المتاحة كما تبيِّن هذه النظرية كيفية تنمية الكادر البشري من خلال مشاركته في تطوير وتنمية طاقاته ومهاراته.
وتمثل نظرية الإدارة بالأهداف إحدى التقنيات الإدارية الأكثر انتشاراً والتي لاقت إقبالاً في ستينيات القرن الفائت، ويمكن تحديد مفهوم هذه النظرية بأنها تقيس النتائج التي تحققها المؤسسة من خلال تحديد الأهداف العامة لها وللفرد وتحديد الأولويات، وتعتبر الإدارة عبارة عن مجموعة من العمليات يكون تنفيذها مشترك بين كافة المستويات الإدارية، وتكون محددة الأهداف المطلوب تحقيقها بشكل واضح ودقيق، مع تحديد المسؤوليات ومجالاتها لكل فرد في المؤسسة.
وتعتمد نظرية الإدارة بالأهداف على مجموعة مبادئ وأهداف، وهي من الأساليب الرائدة في المجال الإداري، حيث تمثل هذه النظرية تطوير العلوم الإنسانية من خلال مشاركة المستويات الإدارية ومبادئ المؤسسة وأهدافها، إذ تركز على إشراك المرؤوسين وتساعد على تحديد وتقريب وجهات النظر بينهم، كما أنها تساهم في ترسيخ ثقافة الالتزام لدى المرؤوسين تجاه جهة عملهم لتحقيق أهداف المؤسسة، وبالتالي فإنَّ هذا يساهم بشكل مباشر في الزيادة في الإنتاجية والمعدل العام للعمل، وتعتمد هذه النظرية بالمقام الأول على المرؤوسين من خلال توضيح أهداف المؤسسة لهم على اعتبار أنهم المطالبين بالتنفيذ ويقاس مدى فاعلية أدائهم بمدى تحقيقهم للأهداف.
فقد أظهرت دراسة (رشيد، 2004) “مبادئ الإدارة بالأهداف”، مبدأ مشاركة كافة المستويات الإدارية، وتحديد الأهداف، وصياغتها على النحو الذي يساعد على تحديد آليات التنفيذ ومبدأ الالتزام من كافة العاملين في المؤسسة، وهذا يساعد على تحقيق الأهداف كما تسعى هذه النظرية لتوضيح مبدأ تحمّل المسؤولية، إذ أن العاملين الذي شاركوا في صياغة الأهداف يتحملون قدراً من المسؤولية بقدر حجم العمل الذي أوكل إليهم لتحقيقه، وهذا من شأنه رفع الروح المعنوية لديهم وإكسابهم الشعور بأهمية العمل الذي يقومون به، وإن ما يتحقق من عمل هو نتاج إخلاصهم وتفانيهم في مجال عملهم.
ولا ريب أن التنظيم الإداري يعتبر من الوظائف الإدارية ذات الأهمية العالية في العملية التنظيمية في المؤسسة، بل يعتبر الوظيفة الأولى التي تسبق كافة الوظائف، وهذا يسوقنا إلى أن الأهداف التي ترسم في مرحلة بناء التنظيم هي التي تحدد حجم وطبيعة العمل، فإن هيكل التنظيم الإداري المطلوب يشكل بناء على هذه الأهداف، مع تحليل نقاط الضعف والقوة، والتعرف على البيئة الداخلية للمنظمة التي من شأنها أن تحدد البدائل المناسبة لاتخاذ القرارات لتحقيق الهدف المنشود، وبالتالي فإن التخطيط المنظم السليم لبناء الهيكل التنظيمي يساعد على التأقلم مع بيئتها الداخلية والخارجية ورسم خارطة أنشطتها المستقبلية.
لذا، فإن تحديد الأهداف وتحديد وأولويات التنفيذ وتنظيم الأعمال وتوزيعها والوقوف على ضمان تنفيذها وتحديد المسؤوليات ومستويات التفويض وخلق علاقات متجانسة ومتناغمة في بيئة العمل مع تحديد معايير الرقابة وتطبيق الإشراف والتوجيه مع عدم إغفال عنصر التحفيز والتشجيع، كل ذلك من شأنه أن يحقق الاستقرار الشخصي والوظيفي ويدفع عجلة التطوير للنمو والزيادة.
للموضوع بقية في الحلقة الثانية منه،،،
