الضمير الغائب في تربية النشء
أحمد بن موسى البلوشي
تربية النشء مهمةٌ عظيمةٌ وتقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على عاتق الوالدَين من حيث تربيتهم التربية السليمة وفق الدّين والعادات والتقاليد والتطور الحاصل ومن جميع الجوانب، بحيث ينشأ الشابّ وهو مسلّح بهذه الجوانب فيترعرع ويصبح مواطناً صالحاً للمجتمع، وأنا على يقينٍ تامّ بأنّ هناك عوامل مرتبطة بتربية الأبناء مثل المدرسة والمجتمع والصحبة والمسجد وغيرها، ولكنْ أتطرّق للحديث هنا فقط عن دَور الأسرة الذي يُعتبر دورها جوهريّ في التربية ومن خلالها يكتسب الابن الكثير من أُسُس التربية السليمة. ويعرّف البعض التربية بأنها:
“عملية تربيةٍ وتعليمٍ منذ الولادة وحتى سنّ البلوغ، وتوفير الاحتياجات الأساسية، والتي تشمل النمو الجسدي، والتطوّر العقلي والفكري، وتوفير الأمان والحماية، وذلك لأنّها تعدّ من الواجبات الأساسية المُلقاة على عاتق الوالدَين”، ويعرّفها هربرت سبنسر بأنّها:
” إعداد الفرد ليحيا حياةً كاملةً”، ورفاعة الطهطاوي يعرّفها بأنّها:
“التي تبني خُلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمّي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير”.
فما نلاحظه من تصرفات بعض الشباب يدلّ على وجود ضميرٍ غائب، وخلل حقيقي في التربية، ومن هذه التصرفات على سبيل المثال:
اعتماد الأبناء على والديهم في الكثير من الأمور، طريقة اللبس في الأماكن العامة، طريقة الحديث والتعامل مع الأشخاص الأكبر سناً منهم، طريقة قيادة المركبات في الطرق الرئيسية والفرعية، حتى تصرفات البعض منهم في مؤسسات التعليم العالي عليها علامة استفهام، فعندما ترى شابّاً في العشرينات من عمره يدخل المسجد قبل رجلٍ خمسيني يسبقه فهذا يدلّ على وجود نقصٍ وخللٍ في التربية، وعندما ترى شابًا يُزعج الناس بأصواتٍ يصدرها من المركبة التي يقودها فهذا يدلّ على وجود خللٍ أخلاقي؛ فالطّرق لها حرمتها، وعندما ترى أمّاً تطلب مساعدةً لابنها من أصحاب الخير وغيرهم للتوظيف وهو قادرٌ على القيام بذلك؛ فلتعذروني هنا بالقول بأنّه يوجد عيبٌ في التربية، فالتربية ليست فقط أن يكون ابني مسلحاً بالعلم وهو يفتقر للكثير من الأخلاقيات والسلوكيات السليمة التي من المُفترض أن يكون قد اكتسبها من الأسرة بالدرجة الأكبر، فالجانبان مُكمّلان لبعضهما ويُخرجان جيلاً يمتلك درجةً عالية من التربية والخُلق.
كنتُ في حوارٍ مع أحد الأصدقاء حول هذا الموضوع، ومن ضمن نقاط أو أسئلة النقاش:
ماهي الأسباب في ذلك؟، ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم؟ هل بالفعل يوجد خللٌفي تربيتنا لأولادنا؟
فأجاب:
التربية في الوقت الحالي لا تُعطى حقّها في أكثر البيوت، وربما يعود ذلك لعدم فهم بعض أولياء الأمور لمفهوم التربية الحقيقي، فعندما تترك ابنك بلا توجيهٍ ولا مراقبة، و تنتظر بأن يكون صالحاً وذا سماتٍ حسَنة ويتقبّله المجتمع فهذا من غرائب الأمور، وقال لي عبارة جميلة في نهاية حديثا وهي:
“للأسف نحن نفتقر للمربي الحقيقي في بعض البيوت”.
ولذلك يجب علينا أن ندرك بأنّ التربية لها جوانب مختلفة، وليست قاصرةً على التربية الجسدية فقط، فهناك التربية الاجتماعية والخُلقية والنفسية …الخ، فيجب علينا تربية أبنائنا التربية السليمة وأن نغرس فيهم مبادئ الإسلام والعادات المرتبطة بالمجتمع، وأقصد هنا العادات التي يقبلها العقل البشري حتى يكون لدينا جيلاً يتحلّى بالصفات التي كانت موجودة مع آبائنا وأجدادنا.