قصة العائدة إلى الله..
خلفان بن ناصر الرواحي
كثيراً ما نسمع عن قصص العودة والتوبة والأوبة إلى الله، وفي المقابل نسمع أيضًا عن الانتكاسة والرجوع والغفلة، وقد يبرر البعض موقفه حسب رؤيته واعتقاده وفق أهوائه، أو الرفقة التي يصاحبها أو يندمج معها في بيئة الدراسة أو العمل، وربما في المحيط الذي يعيش فيه، فهكذا ينشأ السلوك إما حسنًا وإما سيئًا، وقد يربطها البعض بالجانب السلوكي بمقولة (الطبع يغلب على التطبع)، ويسترشد بها ويبرر بها عن الفعال والصفات السيئة.
وهكذا أصبح البعض يستخدمها كشماعة لتبريد سلوكه، إلا أن الحقيقة غير ذلك فالطبع بطبيعة الحال لا يغلب التطبع كما تقول المقولة والعكس هو الصحيح. أي أن التطبع هو من يغلب الطبع. وبالطبع الأدلة على ذلك كثيرة من حولنا، ولتبسيط ذلك نذكر منها مثلًا سلوك الطفل في مراحل طفولته -مرحلة الحبو على سبيل المثال- حيث يتغلب على طبع هذه المرحلة بتطبع جديد، مرحلة تلو أخرى وهو المشي والنطق والسلوك في التعامل، ولنا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خير تأكيد على عدم صحة المقولة فهو يقول فى حديثه الشريف: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ»؛ أي أن كل شيء يأتي بالتعلم والمواظبة والممارسة، فلا صحة إذن لمقولة الطبع يغلب التطبع.
هنا نسرد قصة واقعية معايشة في بيئة عمل، حيث يوجد عدد من الفتيات كنَّ ذَا خلقٍ وأدبٍ وحشمة عالية، ويحافظن على هيبتهنّ وعفتهنّ ويؤدين أعمالهن بهمة عالية وإخلاص وتفان، ويتجنبنّ الاختلاط أو الخلوة مع الشباب، ولم يُرَ منهنّ ما يدعو للشبهة والريبة، ويحافظن على أداء التقية والبعد عن سفاسف الأمور والتقليد الأعمى للموضة والتبرج وإبداء شيء من زينتهن، أو خصلة من شعرهنّ كما تفعل بعض الفتيات في عصرنا الحالي -هداهنّ الله- بحجة الحرية والانفتاح ومواكبة الحياة العصرية والموضة.
ومرت الأيام والشهور والسنوات، وشاءت القدرة الإلهية وبين عشية وضحاها تم توظيف فتاة شابة جديدة العهد على المكان والوظيفة، وربما غُرَّ بها من البعض لتبدي شيءٌ من السلوك الخارج عن المألوف وإظهار بعضًا من المفاتن والتباهي أمام الآخرين في بيئة العمل بشيءٍ من الجماليات والمحسنات الشيطانية التي توهمت بها أو أُوهمت بها لتصنعها، وسرعان ما انتبه الجميع لهذا الكائن الغريب الذي لم يكن مألوفًا وجود أمثاله في بيئة العمل التي كانت تتفاعل معها، ويسودها السلوك المحتشم وعدم الخروج عن عاداتنا ومبادىء ديننا القويم، ولم تتحملها أخواتنا العفيفات وفوجئن بها، وأخذن يتشاورن فيما بينهنّ كيف السبيل!…
عادة ما يكون لبعض التصرفات السلوكية لها وقع لدى البعض إما بالتقليد وإما إظهار خفايا الكتمان ليجد من يشاركه نفس السلوك، ويتحين الوقت المناسب ويسلخ جلده ليظهر باطنه الحقيقي لطبعه الذي استمر عليه، وكتمه مدة طويلة خجلًا أو تماشيًا مع الوضع السائد، وهي من مكنونات النفس البشرية، وخاصة في الجانب السيِّىء منها، فالنفس الأمارة بالسوء لها تأثير على حياة من سلك طريق الخطأ أو حاد عن جادة الصواب، لكنَّ لطف الله بالجميع وبهذه الفتاة التي كانت في غفلة، تكاتف الجميع لتقديم النصيحة والتوجيه لها قبل فوات الأوان، وبطريقة غير مباشرة أو تهجمية، واتباع النصحية بالرفق واللين، من رفيقاتها وزميلاتها في العمل، وأصحاب الشهامة والغيرة بالرغم من عدم تقبلها في بداية الأمر لذلك الأسلوب والنصيحة.
لقد عادت إلى الله طوعًا وقناعة دون إجبار من أحد، وأصبحت مضرب مثلٍ في الهيبة والحشمة والوقار والتقية، لم تعد تلك الفتاة المغرورة، والمغترة بمفاتن شبابها لإظهارها شيءٌ من مفاتنها أو التقليد الأعمى لاتباع الموضة والتقليعات العصرية، وعفت نفسها عن الذئاب المفترسة التي لا ترحم، وراقبت نفسها في سلوكها وملبسها وصورتها أمام الغرباء، فهي ليست ملكاً للجميع ومن حق الجميع أن يرى ما يحلو له منها… عادت إلى الله وهي في راحةٍ وطيب نفس، وعرفت حينها أن مقولة (الطبع يغلب على التطبع) غير صحيحة، وانقادت لطاعة اللهِ والبعد عن الشبهات والمفاتن.
إذن من هنا نستنتج أنّ مكارم الأخلاق ومحاسن العادات تحتل موقعًا مهمًا في حياة البشر وشريعة الله الخالدة، وتكتسي أهمية عظمى في دين الله وإنما الدين حسن الخلق، ولهذا حث الإسلام على إفراغ النفس من الهوى، وبذل الجهد في اكتسابها والتحلي بها بعد التخلي عن مساوئها، وإفراغ النفس الأمارة بالسوء من آثار شرورها، قال تعالى في سورة الشمس: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}. فإمكان تغيير السلوك والأخلاق شيءٌ وارد ومقدور عليه لمن أراد الفلاح والنجاةِ، فلا مناص من هذا فقد قال الله تعالى مخاطبًا سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام:{ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}- سورة الشورى.