2025
Adsense
قصص وروايات

منى .. وهم الحب الكاذب (قصة قصيرة)

سليمان بن حمد العامري

   في وسط مدينة نابضة بالحياة والضجيج، كانت تعيش فتاة تُدعى منى، تحمل في عينيها طموحات وآمال كبيرة، لكنها كانت تعاني من شعور عميق بالوحدة والفراغ، نشأت منى في عائلة كبيرة تضم العديد من الإخوة والأخوات، ولكنها شعرت وكأنها غير مرئية في زحام الحياة، وكأن صوتها وأحلامها قد غاصا في خضم هذا الزحام، لم تجد في عائلتها ذلك الحضن الدافئ الذي يشبع احتياجها للحب والاحتواء، ومع مرور السنوات، ازدادت المسافة داخل قلبها، مما جعلها تبحث عن الحب المفقود في أماكن أخرى.

   في مساء هادئ، بينما كانت تحاول الهروب من شعورها بالوحدة عبر تصفح هاتفها، تلقت رسالة على تطبيق ما، كان المرسل شابًا يُدعى ياسر، كتب في رسالته: مرحبًا، يبدو أنكِ شخصية مميزة،هل يمكننا التحدث؟

  رغم أن كلماته كانت بسيطة، إلا أنها حملت شيئًا خاصًا، بدا لطيفًا وجذابًا، كأنه الشخص الذي استطاع فهم ما تبحث عنه من دون أن تتحدث، شعرت منى بشيء يتحرك داخلها؛ رغبة في الاستماع إليه، في التواصل، وربما حتى في أن يكون هذا الغريب هو الملاذ الذي كانت تبحث عنه، وبذلك بدأ الحديث بينهما.

   مع مرور الأيام، أصبحت محادثاتهما تتعمق أكثر، حيث بدأ ياسر يستمع إلى كل تفاصيل حياتها: أحلامها، مخاوفها، جراحها، وحتى تلك الأماني الصغيرة التي كانت تشعر بخجل كبير عند ذكرها، كان يعرف كيف يلتقط كلماتها ويعيد صياغتها في عبارات تمنحها الطمأنينة.

 قال لها ذات مرة: أنا أفهمكِ، منى، أنتِ مختلفة،لستِ كأي فتاة قابلتها من قبل، كانت كلماته بمثابة مياه لروح عطشى. ومع الوقت، أصبح ياسر جزءًا لا يتجزأ من حياتها.

لكن شيئًا ما بدأ يتغير،فبعد شهور من الكلمات الدافئة والوعود الجميلة، أصبح ياسر يظهر جانبًا مختلفًا من شخصيته، بدأ في إلحاحه عليها أن تُظهر ثقتها به، بأن تُحادثه بأسلوب أكثر حميمية، أو أن تُشاركه أشياء كانت تشعر في أعماقها بأنها لا تليق بها، كان يبرر طلباته بالقول: نحن نحب بعضنا، وهذه أمور عادية بين أي شخصين سيصبحان زوجين قريبًا.

 في البداية، رفضت منى، لكنها سرعان ما استسلمت تحت ضغط وعوده بالزواج، وخوفها من فقدانه، بدأت تنزلق في دوامة لم تكن لتخطر ببالها، شيئًا فشيئًا، شعرت بالذنب والخوف، لكنها لم تستطع التراجع، كانت تُبرر لنفسها: سيكون زوجي، وما يحدث الآن مجرد تضحية صغيرة للحفاظ عليه.

  مرت الأيام وتحولت إلى سنوات، عشرة أعوام كاملة، ومنى عالقة في تلك الدوامة،لم يتحقق أي من وعود ياسر، لكنها كانت تقنع نفسها بأنه يحتاج إلى وقت إضافي،وكلما فكرت في الانسحاب، كان يردعها بوعد جديد أو حديث يجدد الأمل في داخلها.

 ولكن خلال تلك السنوات، بدأت منى تلاحظ علامات أكثر وضوحًا على تغير العلاقة،

 شعرت أنها تتألم من العلاقة، وأن ياسر لا يمنحها إلا كلمات فارغة لا فائدة منها، كان يستخدمها عاطفيًا، ويجعلها عالقة في دائرة لا نهاية لها من الوعود والانتظار.

  في إحدى الليالي، وبينما كانت تراجع ذكرياتها، أدركت الحقيقة، نظرت إلى نفسها في المرآة ورأت وجهًا منهكًا بفعل الانتظار، سألت نفسها: أهذا ما كنت أبحث عنه؟ هل جعلتني هذه العلاقة أفضل؟ أم أنها أخذت مني سنوات دون مقابل؟

 كانت تلك الأسئلة بمثابة صفعة أيقظتها من غفلتها، فقررت أن تُعيد النظر في كل شيء، بدأت تُدرك أن الحب الذي اعتقدت أنها وجدته كان مجرد وهم، وأن ياسر لم يكن سوى شخص استغل حاجتها للحب لتلبية رغباته الأنانية.

في صباح اليوم التالي، استيقظت منى بشعور مختلف، شعرت أن الوقت قد حان لتحرير نفسها، بدأت بقطع علاقتها بياسر تدريجيًا، على الرغم من محاولاته المتجددة لإقناعها بالعودة، استعانت بالله وبدأت تملأ وقتها بأنشطة تحبها، التحقت بدورات تدريبية، وعادت لممارسة هواياتها القديمة، وبدأت تقضي وقتًا أطول مع عائلتها.

  لم تكن الرحلة سهلة، واجهت بين الحين والآخر لحظات من الضعف، تلك الوساوس التي كانت تخبرها: ماذا لو لم أجد حبًا آخر؟ ماذا لو كنت أُخطئ بترك ياسر؟ لكنها كانت تُذكر نفسها بأنها تستحق الأفضل، وأن الحب الحقيقي لا يمكن أن يأتي بهذا الشكل المؤلم.

 اليوم، أصبحت منى شخصًا مختلفًا، لم تعد الفتاة الضعيفة التي تبحث عن الحب بأي ثمن. تعلمت أن الحب الحقيقي يبدأ من احترام الذات، وأن العلاقة التي تُشعرك بالذنب أو تجبرك على التخلي عن مبادئك ليست حبًا، بل استغلالًا.

  تستعرض منى الآن ماضيها كدرس عظيم، أدركت أن الله أخرجها من تلك العلاقة لتعيش حياة أفضل، ولتُدرك قيمتها الحقيقية.

العبرة : الحب ليس أن تفقدي ذاتك لإرضاء شخص آخر، الحب الحقيقي علاقة قائمة على الاحترام والصدق والتقدير المتبادل. إذا كنتِ في علاقة تُشعرك بالضعف أو تجبرك على التنازل عن قيمك، فاعلمي أنها ليست حبًا، بل استغلالًا.

النصيحة : إلى كل فتاة تبحث عن الحب، تذكري أن الله قد كتب لكِ الأفضل. لا تدعي الفراغ العاطفي يجعلكِ فريسة سهلة لمن لا يقدّر قيمتك. ثقي بنفسك واعملي على تطوير ذاتك، واملي حياتك بالخير والطاعة، إذ أن الحب الحقيقي يبدأ أولًا من علاقتك بالله، ومن احترامك لذاتك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights