الحركات الشِّعْرية الحديثة
د . علي زين العابدين الحسيني – باحث وكاتب أزهري
مرّ الشعر العربي -كغيره- بعدة مراحل حتى وصل إلى مرحلة كونه صنعة يلتزم فيها أصحابها بالوزن والقافية مع الاعتناء التام بالمحسنات البلاغية وانتقاء الألفاظ بلا روحٍ وإحساسٍ إلى أنْ جاء الشاعر العظيم محمود سامي البارودي فأحيا القصيدة العربية، وأعادها كنموذج يحتذى بها في كتابة الشعر، مع الالتزام ببناء القصيدة كما كانت معروفة من قبل من البدء بالغزل وصولاً إلى خاتمتها المعهودة.
تيار الإحياء:
هو عملٌ إحيائيّ في القصيدة العربية نسب للبارودي، وأطلق عليه “تيار الإحياء”، واستطاع البارودي أن يعيش بفكره لا عصره في الزمن القديم للقصيدة العربية، فتعددت قصائده، وتنوع شعره في المديح والفخر والغزل والرثاء والهجاء، وواصل بعده أمير الشعراء أحمد شوقي المسيرة متوسعاً في مجالات الكتابة الشعرية، وكتب القصائد الراقية في التاريخ، والسياسة، والاجتماع، بل أسس ما يعرف بالمسرح الشعري، وانتمى لهذا التيار من الشعراء: حافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم، ومحمود غنيم، وغيرهم.
جماعة “الديوان”:
هي حركةٌ من الحركات الشعرية الحديثة التي تتسم بالنقد، وتتصف بالشدة، وتعتمد النقد في طرحها، ويمكن القول بأنّها: “انتفاضة شعرية” إلا أنّها لم تكتمل، وأساس فكرتها قائمٌ ومبنيّ على كتاب “الديوان في الأدب والنقد” لمؤلفيه عباس العقاد وعبد القادر المازني، ولذا استمدت اسمها من كتاب “الديوان”، وترأسها ثلاثة: عبد الرحمن شكري، والعقاد، والمازني.
في بداية ظهورها قامت كحركة مضادة لما أسموه بالشعر التقليدي أو الاتجاه التقليدي في الأدب، خاصة شعر وأدب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومصطفى الرافعي، وكان من أبرز دعواتهم أن تكون القصيدة وحدة موضوعية دون حاجة لتعدد المواضيع في القصيدة الواحدة.
ويكمن الشعر لديهم في الأحاسيس والمشاعر الفياضة للإنسان، والخواطر والتأملات الذاتية للشاعر، والابتعاد عن اللغة القديمة، والخروج في بعض الأحايين على وحدة الوزن والقافية إلى قافية ليست موحدة أشبه ما تكون بالموشحات الأندلسية.
هاجموا بذلك شعر المديح والرثاء والمناسبات، لكن سرعان ما انشقّ عن الحركة مبكراً الشاعر عبد الرحمن شكري، ثمّ عاد العقاد لشعر المناسبات، وصمت عن ذلك المازني مما نتج عنه التخلي عن دعاوى التجديد، مقرين بالاتجاه السائد في الإحياء وانتهت بذلك مدرسة “الديوان”.
جماعة أبولو:
سبق أن تكلمتُ عنها في مقالي “معريّ عصره الشاعر محمود أبو الوفا” حيث كان من روادها، وقد تأسست هذه الجماعة الشعرية على يد الشاعر أحمد زكي أبو شادي سنة 1932م بعد انحلال جماعة “الديوان”، واستند تأسيس جماعة “أبولو” الشعرية على مجلة “أبولو” التي تعدّ أولّ مجلةٍ عربيةٍ متخصصةٍ في الشعر ونقده ودراساته بمصر، واتخذوا من شعر الشاعر خليل مطران قاعدة ينطلقون منها، وأباً روحياً يرجعون إليه.
ضمت هذه المدرسة الشعرية شعراء الوجدان التي اعتمدت على نشر ما يعرف بالرومانتيكية، وكانت سبباً في اتجاه هذا النوع من الشعر في ثلاثينات وخمسينات القرن الماضي، ومن رواد هذه المدرسة: الشعراء إبراهيم ناجي، وأحمد محرم، وحسن الصيرفي، وصالح جودت، ومحمود أبو الوفا، وغيرهم.
هذه الحركات الشعرية الحديثة وغيرها كانت لها الآثار البينة والجهود المتجددة في نشر الوعي الأدبي، واستفاد منها كثيرٌ مِن محبي الشعر خاصة والأدب عموماً، وظلت هذه الحركات تغذي المجتمع بالأمسيات الشعرية والكتب والمؤلفات والدواوين والقصص، وارتبط بمجالسها ومدارسها النقاد والشعراء ومتذوقو الأدب، ولطالما عُقدت بسببها الندوات الثقافية، والليالي الشعرية، والجلسات النقدية، وهو الأمر الذي بات غير موجود في واقعنا الأدبي المعاصر.