كن رقما صعبا – العالم خارج الصندوق
رقية الفورية
ركز الكثير من الباحثين على أهمية التفكير الإبداعي و إطلاق العنان للعقل في البحث و الاستفادة القصوى من الإمكانات الهائلة التي أودعها الله في الإنسان كونه مستخلف لإعمار الأرض. يقول عز وجل:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) صدق الله العظيم-(9) الزمر-.
إن هذا التطور الإنساني على المستوى الفكري لم يأتِ دفعة واحدة، وإنما هو نتاج تراكم هذه الأفكار من جيل إلى آخر، وكل جيل ما هو إلا حجر عبور لجيل آخر أكثر تقدماً و استفادة من إنجازات الجيل السابق.
“حجر العبور”
تقوم على فكرة الاستناد على الأفكار السابقة لعبور النهر أو الوادي للوصول بنا إلى الضفة الأخرى. كذلك بعض الأفكار قد تكون مؤقتة ولكنها تعبر بك إلى فكرة إبداعية وناجحة أكثر تقدما.
تعد الأفكار ومضات استبصارية تتحول إلى سراب يفقدها الإنسان إذا لم يعمل بها أو يقيدها بقيد وثيق، إذ تتولد أكثر الأفكار الإبداعية في لحظات خاطفة ثم تتلاشی من مخيلتنا إلى الأبد ما لم نسارع بتدوينها.
ومن الغريب أن الفكرة لا تأتينا دائماً وقت الاحتياج إليها وأثناء معالجتنا للمشكلة المتعلقة بها، فبعضها يواتينا کومضة من الاستبصار، وعليه حتى لو بدت هذه الفكرة لحظة ورودها واضحة تمامًا أو مهمة للغاية بحيث يستحيل نسيانها، فهناك دائماً احتمال أن تضيع منا فيما بعد، لذلك حينما تبني في عقلك نواة لفكرة احفظها مباشرة كتابياً للاستفادة منها في المستقبل.
ويعد (حجر العبور) أو (الحجر المتدحرج) أحد أدوات التفكير الإبداعي في(كورت) الإبداع لدى عالم النفس الطبيب المفكر إدوارد دي بونو (Edward de Bono)، وتقوم هذه الأداة على الاستناد إلى فكرة مؤقتة تساعدنا للوصول إلى فكرة جديدة ناجحة أكثر تقدما.
ولتوضيح الفكرة بشكل أوضح نفترض أن شخصًا اقترح أن تكون المكالمات الدولية مجانية ربما سيسخط أو يسخر منه البعض باعتبارها فكرة مستحيلة، ولكن لو اعتبرنا الفكرة حجر عبور واستناد للوصول إلى تحقيق الهدف وهو «المكالمات الهاتفية الدولية مجانا». فيمكن أن ندعو مثلاً الشركات للإعلان أثناء المكالمات مقابل أن تدفع قيمة المكالمة.
فحين نتصل برقم دولي نسمع إعلانات تجارية من شركات، بعدها تتم حساب مکالماتنا على حساب هذه الشركات، فتتحول الفكرة إلى وضوح أكثر كحجر عبور للفكرة الأساس وهي المكالمات مدفوعة الثمن مقابل الإعلانات من الشركات.
لذلك يجب أن نستفيد من الأفكار كحجر العبور في حياتنا اليومية وفي تعاملاتنا فما هي إلا أحجار للعبور إلى ضفاف أكثر تقدما من السابق.
هناك ملكة يفتقدها البعض وهي ملكة الهروب الواعي باتجاه الأفكار الجديدة لتعريف المشكلة وتقديم الحلول. ففكرة الحجر المتدحرج لا تستخدم الأفكار لذاتها فقط، وإنما تستخدمها كأداة من أجل توليد مزيد من الأفكار، ويمكن تصمیم الحجر المتدحرج بشكل مقصود عند قول أي شيء خيالي وغير مألوف، والطريقة الأسهل
لتصميمه هي القيام بعكس الوضع، مثل تحويل الداخل للخارج، أو تحويل الخلف إلى الأمام.
و أما عن عن عميلة (عكس الأفكار) أيضا فهي تقودني لأحد مبادىء الابتكار وهو مبدأ القلب أو العكس للعالم السوفييتي هنري التشار (HenryAltchuller ). في برنامجه تريز TRIZ أو نظرية الحل الابتكاري للمشكلات، وهي عبارة عن مهارة معرفيـة تتضمن مجموعة من الطرائق لحل المشكلات، ويتضمن هذا المبدأ استخدام إجراءات معاكسة لتلك المستخدمة عادة في حل المشكلة، فإن كانت الأشياء أو الأجزاء ثابتة نجعلها متحركة، وإن كانت متحركة تصبح ثابتة أي أننا نقوم بمواجهة الموقف بالمقلوب وبالعكس.
وما نراه من منصة تعليمية في المنزل عكست معادلة التعلم من داخل إطار المدرسة إلى داخل محيط المنزل. والكثير من الأفكار التي ربما لم نتقبلها لسنوات عديدة ستجد طريقها كحجر عبور إلى حياتنا لتنقلنا إلى ضفة أخرى خارج الصندوق غير التي اعتدنا عليها داخل كهوفنا أو داخل محيطنا.