سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
فعاليات وأنشطة النبأمقالات صحفية

الأفْعَال الهَزْليّة

د . علي زين العابدين الحسيني – باحث وكاتب أزهري

يحذّرُ الأزهر الشّريف وشيخه الإمام الأكبر أحمد الطّيب في كثيرٍ من خطاباته مِن تصاعد خطاب العنف والكراهية، ويستنكرُ بشدةٍ كلَّ حادثٍ إرهابيّ بغيضٍ يستهدفُ أبناءَ الإنسانية، ويدعو شيخُ الأزهر دائماً في لقاءاته وتَصْرِيحَاته إلى تغليبِ صوتِ الحكمةِ والعقل، والالتزامِ بالمسؤولية المجتمعية خاصَّةً فيما يتعلقُ بأرواحِ الآخرين.

وبعد كلّ عمل فرديّ خارجٍ عن حدودِ العقلِ والشّرع تُسارعُ الجهاتُ الدّينية الكبرى المختصّة ببلاد المسلمين إنكاره ورفضه والتبرؤ منه، وأنّه لا يعدو أن يكون عملاً فرديًّا لا يمثّل إلا صاحبه؛ فلا يوجد مبرر بأيّ حالٍ من الأحوالِ لتلك الأعمال البغيضة التي تتنافى مع تعاليمِ الإسلام السمحة.

وفي الزاوية الأخرى، ومع كلّ حادث يرفضه الإسلام وأهله تتصاعد خطاباتُ الكراهية من الجانب الآخر، وتعلو أصواتُ العنف، وتُستغلّ الأعمالُ الفردية فرصةً للطّعن في الإسلام، والتّعرض لنبيّ الإسلام ﷺ. وأقبح من ذلك استغلالها في مصالح شخصية، وهو ما صرّح به الإمام الأكبر في قوله: “نجد من المؤسف أشدّ الأسف أنّ الإساءة للإسلام والمسلمين في عالمنا اليوم قد أصبحت أداةً لحشد الأصوات والمضاربة بها في أسواق الانتخابات”.

تنتعشُ الذاكرة العربية الإسلامية في تذكر الأعمال التّخريبية التي قام بها الغربُ خلال فترات احتلالهم لكثيرٍ من البلدان بعد كلّ فعلٍ هزيلٍ ينتج منهم تجاه نبيّنا ﷺ، ويسترجع الباحثون الذّكريات، ويراجع المتخصصون الأحداث، وهم بصنيعهم هذا يكشفون لنا حقيقة نظرتهم للآخرين، وينشرون بين الناس خطابات التطرف الفكري، ويعززون العنصرية، ويؤكّدون على عداءهم المستمر لديننا.

لن ينسى المصريّون -على سبيل المثال- لحظات اقتحام الفرنسيّين الجامع الأزهر كما وصفها المؤرخ الأزهري عبد الرحمن الجبرتي قائلاً: “ثمّ دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل وبينهم المشاة وتفرّقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكلّ ما صادفوه به عروه لتفتيشه”.

كنّا نتمنّى أن ينظر العالم الأوربي إلى عظمائنا ومقدساتنا نظرة عادلة تقوم على الإنصاف والرؤية المبنيّة على العلم والدّراسة المستفيضة للشّخصيات، لا المبنيّة على الغلّ والحقد الدفينَيْنِ، فيدرس بتمعنٍ شخصية المسلم الحقيقية، وأنّه قد يستعبد من أجل لقمة عيشه، أو يتنازل من أجل الحفاظ على حياته، لكنّه لن يقبلَ بأيّ حالٍ من الأحوالِ أنْ يبقى ولو للحظاتٍ قليلةٍ مَع إهانةِ رسوله المعظم ﷺ.

يستطيعون -كعادتهم- إهانة الإنسانية، وبثّ الخطاب العدواني، ونشر الكراهية في النّفوس، واستعباد غيرهم، لكن ليس باستطاعتهم التّعرض لنبيّ الأمّة، الرّسول المعظّم ﷺ؛ إِذْ هو أحبّ إلى قلوب المسلمين مِن أنفسهم التي بين جنبيهم، وهذه المحبةُ كامنةٌ في القلوب، ومستقرة في النفوس، لا تتغير، ولا تتبدل، ويشتركُ فيها عالمهم وجاهلهم، ومؤمنهم وفاسقهم.

هذه المحبةُ للنّبي ﷺ أخبر بها الصّحابيُّ الجليلُ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ-رضي الله عنه- مشركي مكة قولاً وعملاً، فقد ذكرَ أهل السّير: أنّ المشركين حينما رفعوا خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ على الخشبة ليصلبوه نادوه وناشدوه: أتحبّ أنّ محمداً مكانك وأنتَ في بيتك؟ فقال: لا، والله ما أحبّ أن يفديني بشوكةٍ يشاكها في قدمه، فضحكوا منه.

وفي روايةٍ قال لهم: والله ما أحبّ أنّي بين أهلي ومحمّد ﷺ في المكان الذي هو فيه تشوكه شوكة.
هذه المحبّة الفريدة جعلت أبا سفيان حين سمعه يقول ذلك يؤكّدها ويعترف بانفرادهم عن غيرهم فيها قائلاً: “ما رأيت أحداً يحبّ أحداً؛ كحبّ أصحاب محمّدٍ محمداً”.

إنّ الحقائق تثبت أنّ الغرب ظلّ لقرونٍ طويلةٍ معتمداً ومُتَطَفِّلًا في تقدمه وتطوره على حضارة المسلمين، فجلس علماؤه على كتب المسلمين، ونقلوا ما استطاعوا من علومهم ومعارفهم من خلال ترجمة كتبهم، ولا يزال كثيرٌ مما كتبه علماءُ المسلمين، ككتب التربية والطّب والفلك والفلسفة محلَّ اعتناء واهتمام في الجامعات الغربيّة.

أجل، استمر الغربُ لسنواتٍ في استغلالِ الشّرق وخيراته لخدمة الغرب لا الشّرق، وهو على النّقيض ممّا فعله المسلمون، فحينما فتحوا الأندلس وغيرها من البلدان حافظوا على ازدهارها ونموّها، ولم يفقدوها شخصيّتها، أو حرموها علماً وثقافة، ولم يتعرّضوا لمن دان فيها بغير الإسلام، وحتى بعد ما تركها المسلمون لم يتركوها إلا على حالةٍ كانت أحسن مما كانت عليه من قبل.

وأما بلاد الشّرق فنُهِبَتْ خيراتُها، بل ازدهرت مدن أوروبا، ونما اقتصادها، وشاعت المعارف على حساب دول الشّرق، وحينما هبّ الوطنيّون المخلصون في كلّ البلدانِ الإسلاميةِ لطردِ هؤلاء المحتلّين قابلوهم بالقهر والسَّجن والقتل، ولم يتركوا هذه البلاد -بعد إزاحتهم منها- في خير حالٍ، بل نهبوا ما استطاعوا نهبه من خيراتٍ وثقافاتٍ.

إنّ الغربَ يعيش عنصرية ليس لها مثيلٌ، ويصدّرها للإنسانية، وخيرُ دليلٍ على ذلك أنّ المسلمين لما فتحوا هذه البلدان كانت خيراتها تصبّ في مصالحِ هذه البلدان وغيرها؛ كوحدةِ المسلمين المتكاملة التي لا تقبل التجزئة أو التقسيم. وأمّا الغربُ فقسّموا هذه البلدان وخيراتها إلى أجزاءٍ بناءً على عنصريتهم أيضاً في التقسيم، فخيرُ تونس والجزائر لفرنسا وحدَها، وخيرُ مصر والهند لإنجلترا لا لغيرها، وخيرُ طرابلس لإيطاليا ذاتها، وهكذا.

مِن كلماتِ أستاذنا الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخِ الأزهرِ الشّريف الجامعة الفريدة: “طبعَ اللهُ اسمَ نبيه ﷺ على جبين الزمان، أنقذ به الأمّم والشّعوب، وصحّح به التواءات الحضارات واعوجاجاتها، وإنّي لأستبشر كلّ الاستبشارِ حينَ أتذكرُ الآيةَ الكريمة المعجزة التي تكفّل الله فيها وحده بالدفاع عن نبيّه وهو يقول له: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)”.

غَنَّيْتُ بِاسْمِكَ يَا لَهَا مِنْ رِفْعَةٍ

الصَّوْتُ أَنْتَ وَأَحْرُفِي أَصْدَاءُ

مَا قُلْتُ يَوْماً يَا مُحَمَّدُ شَادِياً

إِلَّا  سَمَوْتُ … وَهَلَّتِ الأَضْوَاءُ

لا يضرّ الغرب في إساءتهم للنّبي ﷺ إلا أنفسهم، ولا أكونُ كاذباً حين أقول بأنّ أفْعَالهم الهَزْليّة تساعدُ على إيقاظِ الوعي الإسلاميّ في النّفوس، وتحْمِلُ النّاسَ على الارتباطِ الوثيقِ بنبيّهم ودينهم أكثر ممّا كانوا عليه مِن قبل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights