أسوة برسول اللهﷺ
هلال بن حميد المقبالي
بين فترات وأزمنة متفاوتة، تظهر في الأفق إساءة وسخرية للنبي محمد ﷺ، هذا النبي العظيم الذي كرمه الله بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4))- سورة القلم، يتجرأ البعض، وبكل حماقة و وقاحة، وبغطاء حرية الرأي والتعبير، و تواطؤ الحكومات ورضاها، ما هو إلا كرهاً للإنسانية، والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم، فمن يقوم بهذه الإساءات لم يعرف ما هو الإسلام الحقيقي، ولم يقرأ عنه، بل سوّلت له نفسه الدنيئة بأن يسخر ويسيء لأفضل الأنبياء والرسل.
لم تكن الإساءة إلى النبي الأعظم ﷺ التي قام بها الأستاذ الفرنسي مؤخراً حديثة العهد، فالإساءة إلى النبي ﷺ والسخرية منه، كانت منذ بداية البعثة، فقد عانى ﷺ الكثير من الأذى والتنكيل والشتم، والسخرية من أهل مكة ومن أقربائه، وحتى بعد وفاته ﷺ لم يسلم من الإساءة، ولكن كان الله منتصراً له (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)- التوبة )، وتستمر الإساءة على مدى السنوات الماضية، ولعل التاريخ سجل لنا العديد من القصص التي تظهر في مضمونها نوع الإساءة للنبي محمد ﷺ، _ لا يتسع المقال لسردها، _ والكل أو البعض سمع أو قرأ عنها، وكيف آل مصير من سخروا، لقد انتقم الله منهم شر الانتقام نصرة لنبيه ﷺ، وكل من تطاول على نبي من أنبياء الله، فمزبلة التاريخ أولى به.
إن نصرة الرسول الكريم ﷺ ليس فقط بمقاطعة منتجات الدول المسيئة، رغم وقعها الاقتصادي للدولة، بل تأتي نصرة الرسول في رفع كلمة لا إله إلا الله محمداً رسول اللّه، والالتزام بالعبادات المفروضة، والتعاليم الدينية، والتحلي بالأخلاق الإسلامية واتباع القيم والمبادئ، والتي أرادها لنا نبينا الكريم أن نتحلى بها، قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) ، و لعل هذه الصفات الأخلاقية التي يجب أن نتحلى بها أسوة بأخلاق الرسول ﷺ، تكون فاتحة خير لدخول العديد من الذين يجهلون تعاليم الإسلام ومبادئه إلى الإسلام، لقد كان رسَول الله متحملاً الأذى الذي تعرض له وصابراً لذلك، ولم يبادل الإساءة بالإساءة رغم مقدرته على ذلك، ولكنه نزّه نفسه عن تلك الممارسات، التي كان البعض يتمناها أن تظهر منه ليؤكد كلامه الذي افتراه على الرسول ﷺ، فكان ﷺ يرد عند كل إساءة تأتيه بقول (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).
إن من يسيء إلى الرسل والأنبياء جاهل لا يعرف عن الأنبياء شيء، ولا عن الديانات، وكتبهم، كما هو الحال في الإساءة للنبي ﷺ والسخرية منه، فهو لا يعرف عن الدين الإسلامي شيء ولا قرأ عن سيرة النبي ﷺ، إنما جاءت إساءته، بما يسمعه بدون دراية أو بحث، وهذا بحد ذاته خطأ يقع فيه الكثير، فخطاب الكراهية والتكفير، وظهور التنظيمات اللإسلامية (التي تدّعي الإسلام) بمبادئها الخاطئة خلقت نوعاً من الإساءة إلى الإسلام مما أدى ذلك إلى كراهية البعض لهذا الدين لتصل إساءتهم إلى رسول الله ﷺ.
إن التضامن مع نصرة الرسول ونبذ الإساءة والسخرية عنه، يأتي من خلال ما أراده لنا رسول البشرية ﷺ، قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)- الأحزاب)، فالتضامن يأتي من بث الحب والسلام، والتسامح والتصالح مع الآخر، والظهور للجميع بأخلاقياتنا وقيمنا الإسلامية، وليس بالمظاهرات والخروج في الشوارع والهتاف بكلمات بذيئة وتصرفات مسيئة لا تليق بمجتمعنا المسلم، فالغضب والتعصب يعمي البصر والبصيرة، وما هذه التصرفات والسلوكيات الغوغاء إلا زيادة في التأجج والاحتقان العقائدي، وتزيد بذلك كرهاً في الإسلام والمسلمين.
إننا بحاجة إلى تصحيح المسار والخطاب الديني، فلنبدأ بأنفسنا كمسلمين، ونغير من سلوكياتنا وتصرفاتنا ونقلل هجومنا لبعضنا، وأن نحسن تعاملنا فيما بيننا، فإن ما تؤول إليه من مشادات وانتقادات وبث الفتن والعداوات، وتعرية الدين بتعدد الاعتقادات المذهبية والطائفية، ينعكس سلباً على الآخر حسب السلوك القائم بيننا كمسلمين، مما يؤدي ذلك إلى النظرة الخاطئة لمن يجهل الإسلام وقيمه الإنسانية، فقد جعلت الكثيرين يتطاولون علينا علناً بالإساءة للإسلام والسخرية من النبي محمد ﷺ، فلا بد من تصحيح المسار الخطابي، وتبديد الإرهاب الإسلامي، بتعاملنا مع الآخر والتصرف بكل احترام وتقدير، و هذا سوف يدفع البعض في فهم الإسلام والدخول فيه، ويصبح هم المدافعون لهذا الدين ورسوله الكريم، بأخلاقهم وقيمهم الإسلامية، التي أكتسبوها منا.
كان الرسول وما زال علامةً بارزةً في التاريخ الإنسانيّ قبل التّاريخ الإسلاميّ؛ فهو منجي البشرية مما قد يلحقها من ويلات عظيمة. و إن تتطاول هؤلاء المنبوذين على نبينا ﷺ ما هي إلا محاولة فاشلة بائسة كمثل المحاولات المسيئة التي امتلأ بها التاريخ سابقاً للتقليل من حجم وشأن النبي محمد ﷺ، ولعل التعايش مع الجميع بقيم وأخلاق الإسلام الحقيقية بعيداً عن التعصب الديني، و تغيير المسار الذي لا تخلو مفرداته من الإساءة للإسلام ونبيه وكتابه، إلى مسار أفضل سيكون له الأثر العظيم في درء هذه الإساءة.