سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
فعاليات وأنشطة النبأمقالات صحفية

صبيانية الشهرة ومتلازمة النقص

علي بن مبارك اليعربي

كلّ عام، وفي مثل هذه الأيام كانتْ تتوالى على هاتفي رسائل عديدة؛ للتهنئة بهذه المناسبة العظيمة، مولد الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – لكن رسائل هذا العام مختلفة تماماً ليس فقط كمًا وعددًا ولكن أيضاً جوهراً ومضموناً؛ وبما تعجّ به من حُبٍّ وتضامنٍ ونصرةٍ وغيرةٍ على رمز دينهم وجوهرة تاجهم وشفيعهم يوم الحشر محمد بن عبد الله -صلوات ربي وسلامه عليه-.
ترددتُ كثيراً عندما هممتُ بكتابة مقالي هذا للدفاع عنه والردّ على من أساء إليه وهو ليس كفؤاً له.
فهل سيتّسع مقالٌ صغيرٌ لِما يجيش في الصدور من مشاعر؟
هل سيكون في وسع القلم أن يخطّ ما يموج في النفس من أحاسيس مختلطة ومتباينة بين المحبة والغضب والرغبة والعزم؟
كما أنني تساءلت في نفسي مَن أنا لأقف مدافعاً عن سيد الخلق أجمعين وهو المعصوم من مالك المُلك وخالق الكون حيث أقرّ ذلك في محكم التنزيل في قوله تعالى تجلت قدرته: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة: من الآية67) وفي قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } كما امتدّت الحماية الربّانية لنا معشر المؤمنين في قوله تعالى جلّ في عُلاه: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا…..}.
وقد يسأل سائلٌ: لمَ هذا الهجوم على شخص نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم رغم صفاته الحميدة وشخصيته الفذّة؟ والذي استطاع من خلالها أن يوحّد الأمّة بعد شتات، وأن يؤسّس بها أعظم إمبراطورية – إن صح التعبير- عرفتها البشرية كانت ولا زالت من أوسع الإمبراطوريات على الإطلاق امتدّتْ من حدود الهند إلى المحيط الأطلسي.
كما أنه تمكّن بفضائله وشرائعه الربانية ونصوصه القرآنية وسنّته النبوية أن يفرض احترام الناس حتى من غير المسلمين بمختلف أطيافهم وطبقاتهم مما أدى إلى تزايد أعداد المسلمين في الدول الأوروبية في وقتنا الحاضر، وهذا ما أجّج الحقد والضغينة في تلك النفوس المريضة، وتسابقت للنَّيل ممن فاقهم قدرةً فيما عجزوا هم عن القيام به، فبالرغم من تشدّقهم بالديمقراطية والحرية، فقد اتّضح لكلّ ذي لبٍّ سليمٍ وفطرة نقية أنها ليست إلا مجرد شعاراتٍ رنانة لا تعدو أكثر من كونها للاستهلاك الإعلامي فحسب، وهذا ما أقرّه أبناء جلدتهم عندما قارنوا ما فعله منقذ البشرية وما وصل إليه ساستهم في أوروبا حيث قال (جوتة) الأديب الألماني: «إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثتُ في التاريخ عن مثلٍ أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد”.
فيا من تحمل بين جوارحك صبيانيّة الشُّهرة ومتلازمة النقص، ليس من شِيَم المسلمين التعذيب والتنكيل في السلم ولا في الحرب وهذا ما قاله أولو الألباب منكم حين صرّحوا بذلك. ففولتير في موقفه من الذين يهاجمون القرآن ويكيدون لأتباعه قال: «كيف تحقّرون كتاباً يدعو إلى الفضيلة والزكاة والرحمة؟ كتاباً يجعل الرضوان العلى جزءاً لمن يعملون الصالحات، وتتوفر فيهم الكمالات الذاتية، إن الذين يهاجمون القرآن لم يقرؤوه طبعاً”.
وفولتير هو الذي قال بعد ذلك: إن أكبر سلاح استعمله المسلمون لبثّ الدعوة الإسلامية هو اتّصافهم بالشيم العالية اقتداءً بالنبي محمد.
وهاجم كارليل – الحائز على جائزة نوبل – في كتابه ” الأبطال” من أساء للإسلام ونبيّه حين قال: لقد أصبح من العار على أيّ فردٍ متحدّثٍ في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر. وقد رأيناه طوال حياته راسخ المبدأ، صادق العزم، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حرّاً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب.
كان عادلاً، صادق النية، ذكي اللبّ، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليلٍ بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقّفه مدرسة، ولا هذبّه معلم، وهو غنيٌّ عن ذلك.
وأمّا ما حدث ويحدث في بلدانكم من تناحُرٍ واقتتالٍ بين الأديان ما هو إلا نتاج ما صنعته أيديكم كما أنه دليل ضعف، وتردّي نظامكم التعليمي والتربوي وقد يكون عملاً ممنهجاً من ساستكم فدينُنا الإسلاميّ دين التسامح، هذا ما أكّده العارفون منكم، فسانت هيلر: قال في كتابه الشرقيون وعقائدهم:
كان محمداً رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.

خلاصة القول:
اتّضح الأمر جليّاً وراء الإساءة والحقد والكراهية التي تظهرونها لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو عجزكم عن الوصول إلى مكانته وعظمته، كما أنّ حبكم للشهرة والظهور في وسائل الإعلام المختلفة أصبحت موضةً يتهافت إليها المرضى وضعاف النفوس منكم مهما كانت الهيئة والوضعية التي يكونون عليها، كما أن البعض يعتبرها تجارة، فكلما زاد المتابعون لكُم زاد فخركم وربحكم فخسر بيعكم وتجارتكم تلك.
فمن خلال ما كتبه العقلاء منكم يتضح سرّ تهكّمكم والإساءة لخير البشر، ظهر نقصُكم وقلّت حيلتكم، لهذا أقول لأمة الإسلام في ختام مقالي هذا:
أوقفوا التعامل معهم وحسب ولا تنشروا تفاهاتهم فتساعدوهم على تجارةٍ كاسدةٍ خاسرة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights