حملات الإساءة للرموز الدينية وللدين الإسلامي .. تعزز خطاب الكراهية والعنف
د. مروان شحادة
أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، المسيئة للدين الإسلامي، ردود فعل رسمية وشعبية طالت العديد من الدول العربية والإسلامية، بعد سماحه بنشر خطاب الكراهية عبر الرسوم الكاريكاتورية، كرد فعل عنيف على مقتل المعلم الذي استهزأ بأهم الرموز الدينية المتمثل بالرسول محمد عليه السلام، لدى مئات الملايين من المسلمين، وهذا يؤكد تماماً بأن خطاب الكراهية الذي يستهدف الآخر لا يولد إلا عنفاً.
وقد شكلت هذه التصريحات صدمة لشريحة واسعة من المثقفين والنخب السياسية، لأنها صدرت عن أعلى سلطة سياسية في جمهورية فرنسا كإحدى الدول التي تجسد الحريات العامة والديمقراطية في العالم، الذي وضع الإسلام والمسلمين في سلة واحدة من تصرفات فرد أو جماعة صغيرة لا تمثل إلا نفسها، ولم يراع مشاعر ملايين الاشخاص الذين طالتهم إساءاته، ولو اقتصرت تصريحاته استجابة لحوادث العنف والإرهاب التي تشهدها بعض الدول الأوروبية، على فرد أو جماعة بعينها، لكان محقاً في ذلك، ولكنه اتهم الدين الإسلامي كله بأنه مأزوم، وهذا يدلل على أن خطابه يحرض على الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وتحيزاً واضحاً مع اليمين المتطرف.
وشهدت العديد من الدول مظاهرات تستنكر وتشجب وتطالب بمقاطعة البضائع الفرنسية، عقب إصرار الرئيس الفرنسي، والتي سيكون لها آثاراً سلبية على طبيعة العلاقات مع الجمهورية الفرنسية وبقية الدول الأوروبية، وعلى اقتصاد تلك الدول.
وقد ثبت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أن علاقة الآخر بالمسلمين؛ حكمتها رهانات السيطرة والكراهية، حيث تداول الإعلاميون والمثقفون ومخازن الأفكار المختلفة في الغرب سؤالين هامين يؤشران على مدى القلق والتخوف الذي يعيشه المجتمع الغربي – الأمريكي والأوروبي – من الإسلام والمسلمين، وثبت عدم صحة الفرضية التي نادى بها المحافظون الجدد واليمين المتطرف؛ بأن الإسلام أكثر الأديان عنفاً – بحسب إدعاءاتهم-، وأول هذه الأسئلة: هل نحن في حرب على «الإسلام»؟، وثانيها: لماذا يكرهوننا؟، وفي حقيقة الأمر أن هذين السؤالين يجسدان ذلك التخوف من الإسلام والمسلمين والذي وظفه الساسة وصناع القرار في الغرب لمحاربة الإسلام والمسلمين بذريعة ” إستراتيجية الحرب على الإرهاب”.
يبدو أن الحاجة باتت ملحة لتجريم الإساءة للإسلام وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لترسيخ وتعزيز مبدأ ثقافة الحوار والاختلاف على أساس من التسامح والعدل، والتعايش السلمي، وتلاقي الحضارات، بعيداً عن سياسة العلو والاستكبار، والقمع والتنكيل، والإقصاء والتهميش، والتبعية، عبر إيجاد معاهدة تنطلق من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بالتعاون الدولي، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، كما وتنطلق الدول الأعضاء من المبادئ القانونية العامة المتعارف عليها، أسوة بمبدأ تجريم معاداة السامية، وبما ينسجم مع حرية التعبير عن الأفكار والآراء دون المساس بحرية الاعتقاد والعادات والتقاليد للآخر، فحدود حرية التعبير تنتهي لحظة انتهاكها لحرية الآخر.
وتشمل الإساءة أي تصرف أو فعل يرتكب بأي وسيلة كانت؛ إعلامية أو إعلانية أو إلكترونية أو غيرها، بكافة صوره أو أشكاله، من شأنه التكذيب، أو السخرية، أو المساس بالدين الإسلامي، أو بشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وما صدر عنه، سواء وقع هذا التصرف أو ترتبت آثاره في أي من أقاليم الدول الإسلامية.
وللخروج من هذا الوضع المأساوي، لتعزيز ثقافة الحوار والتسامح في العالم أجمع، فإن على الرئيس الفرنسي تحمل مسؤولياته الأخلاقية كرئيس دولة تحترم الحريات العامة والديمقراطية، عبر توضيح مقصده في تلك الإساءة، وتقديم الاعتذار لعموم المسلمين، لكي لا تتنامى خطابات العنف والكراهية، ولكي لا يكون أحد عوامل زيادة انعكاساتها وآثارها السلبية على الدولة والمجتمع الفرنسي.