2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

يدًا بيدٍ؛ لأَجلِ عُمانَ

د. رضية بنت سليمان الحبسية

الوطنُ ليس ملحمةً يتغنى بها الشّعراء والمطربون، أو إرثًا حضاريًّا يُضرب به المثل، أو منجزًا ابتكاريًّا يُتباهى به بين الأمم، فهو ارتباطٌ عاطفيّ بين الإنسان والأرض. أما الشعارات والعبارات ما هي إلّا تعبيرٌ لفظيٌّ لما يجيش به القلب من مشاعر، والوجدان من إحساس. فالمواقف والمحن خير اختبار لصدق ذلك الارتباط، وهي فرصة لترجمة الانتماء للبلد وموروثاته.

وكمثال على ذلك: جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) التي تُلقي بشباكها على الحياة البشرية، ومعها تحاول الدول والحكومات التقليل من آثارها الحالية والمستقبلية، بما أُوتيت من إمكانات ووفقًا للمعطيات.

وفي هذا المقام قد تابعنا إعلان اللجنة العليا قبل أيام قلائل عن فتح باب التطوع في شتى القطاعات لمجابهة هذه الجائحة، فيا ترى كم من مشمّرٍ عن ساعدِ الجدّ للعملِ يدًا بيدٍ لأجلِ عُمانَ؟!
إنّ فرق العمل التطوعية في بلادنا -ولله الحمد- لها من الجهود التي يُشار إليها بالبنان، حيث أثبتت جدارتها وصدق رسالتها في العديد من الأزمات والكوارث والأعاصير التي ألمت بالبلاد في العقود الأخيرة، على سبيل المثال: الأنواء المناخية (إعصار جونو، إعصار فييت، وإعصار مكونو)، والأزمة الحالية (جائحة فيروس كورونا). ضربت تلك الجمعيات والمؤسسات أروع الأمثلة على التكاتف والتكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن، وقدّمت أجمل الصور والنماذج للترجمة الحقيقية لمفهوم الوطن والمواطنة.

لا شك أنّ أزمة فيروس كورونا المستجد كوفيد19 من الأزمات التي اختبرت قوة ومتانة البُنى التحتية للدول سواء على مستوى القطاع الصحي، الاقتصادي، التربوي، والمجتمعي. إلا أنّ طبيعة الأزمة من حيث عدم وجود لقاح أو علاج للمرض، وسرعة انتشار الفيروس بلا ضوابط أو حواجز يُلقي بأعباء وتحديات وطنية خارج المألوف حول مستقبل هذه الجائحة، من حيث مدى تأثيرها على الأصعدة والمجالات كافة: المادية، البشرية، النفسية، الاجتماعية، وفي مقدمتها الجوانب الصحية. الأمر الذي يجعل كثيراً من الإجراءات والقرارات قيد الاختبار، على نطاق جودتها، صلاحيتها، وفعاليتها سواء على المدى القصير أو البعيد.

وفي ظل هذا الواقع من عدم التأكد بسبب جائحة كورونا، فإنه لا يجوز إلقاء اللوم على الحكومات أو اللجان والمؤسسات تجاه أي تقصير أو تأخير في إجراءات أو قرارات ما (إنْ وجدت). فالأجدر استشعار عظم المسؤولية، وتقدير ضخامة الخطورة، وإدراك تقلبات ظروف الجائحة، في خضم اضطرابات غير مسبوقة. ففي كل الأزمات يتطلب إعلاء الوطن ومصلحته العامة، مبتعدين عن الأنانية والذاتية، مترّفعين عن تقاذف عبارات الاتهامات والانتقادات اللاذعة. فإنّ كان من أمر رشيد، فليكن بحبس الأنفاس، وتكاتف الجهود بالعمل جنبًا إلى جنب مع الحكومات والمؤسسات لتخطي هذه الأزمة بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية. فلعلّ الخير يكمن في بطن الشر.

ومع انفراج الأزمة الحالية بمشيئة الله، وكبقية الأزمات العالمية، فإنّ من الدروس والعبر الشيء الكثير التي ستسطرها الصحف والمجلات، الكتب والمؤلفات، والأفلام والمسرحيات كل من مجال اختصاصه واهتمامه. فلتكن المبادرات الفردية والمجتمعية، والإنجازات المؤسسية مما يبعث الفخر للتعامل الحكيم في تخطي أزمة كوفيد 19. فتقدّم الأجيال الحالية للأجيال القادمة منهجًا وقيمًا تستدل بها في مجابهة أخطار أخرى مستقبلية مشابهة بكل ثقة واقتدار.

الخلاصة: يتسابق المراقبون والمهتمون وذوي العلاقة للحديث والكتابة حول جائحة فيروس كورونا، وبالمقابل فإنّ المختصين يبذلون قُصارى جهودهم؛ للعمل من أجل الوطن وقاطنيه، متخطين العقبات الملازمة لظروف الجائحة، متسلحين بعزيمة الفوز والانتصار للوصول بعُمان إلى بر الأمان، وتقديم رسالة للأجيال القادمة مفادها: برغم التحديات، نصنع المنجزات. فطوبى للسواعد الوطنية المخلصة، ثم طوبى للمؤسسات المجتمعية، نظير تعاضدها لوقاية البلاد ويلات الجائحة. قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} . (سورة البقرة، الآية: 216).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights