الوهم كأس مملوء في زمن الكورونا
علي بن مبارك اليعربي
منذ اكتشاف مرض فيروسي قاتل صنف كوباء قاتل سريع الانتشار، حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في 31 من ديسمبر 2019 م تحت مسمى كورونا كوفيد 19، امتلأ كأس الوهم، وامتزجت آثاره بأعراض هذا الفيروس التاجي، وزاد نشاطه، وتفاعلت حالتا الإصابة والوهم، وقد شكل هذان التوأمان زعزعة القدرة الدفاعية للخطوط الأمامية للمواجهة، وهو ما تسبب في توسع بقعة انتشاره، وضعف المواجهة، وفقدان الكثير من المرضى، وتعطلت الحركة العلاجية في كثير من الأحيان، وحار الأطباء من حالة عدم الاستقرار الصحي لدى بعض مرضاهم.
ويرجع ذلك كله إلى عامل الوهم الذي أصبح يسيطر على نفوس البشر، وهذا يؤكد مقولة: “أن الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء”.
الأمر الذي جعل من الوهم شريكاً أساسياً في زيادة تفاقم الأوضاع لدى المصابين بهذا الوباء؛ هو ردة فعل المجتمع الدولي والزخم الإعلامي المصاحب والذي بحد ذاته زرع الخوف والهلع في نفوس البشرية جميعا.
الوهم هو اضطراب عام في التفكير ويتسم ذلك باعتقاد ثابت خاطئ لا يتزعزع حتى لو اعتقد الآخرون غير ذلك أو برزت له أدلة دامغة تنفيه تماماً، فهو اعتقاد راسخ في نفسه، ويوصف هذا الاعتقاد بزيف وخيال مبني على الخداع.
أما في عالم الطب النفسي، فيعرف الوهم بأنه اعتقاد مرضي(ينتج عن مرض أو عن أحداث مرضية)، ويستمر المريض في تمسكه بوهمه على الرغم من وجود الدلائل التي تثبت له عكس ما يتوهمه.
وأما في علم الأمراض، فيتم التمييز بين الوهم وبين الاعتقاد المبني على أساس من الزيف أو المعلومات غير الكاملة أو العقيدة المتزمتة أو الغباء أو الإدراك الشعوري أو الانخداع أو غيرها من الآثار التي تنبع من الإدراك الحسي.
حرب عالمية نخوضها مع الفيروس التاجي كورونا كوفيد 19 للحد من انتشاره وضعف تمكنه من البشر متوازية مع حرب نفسية يدخلها العديد منهم مع ذلك الوهم؛ وهو وسواس الإصابة بمرض كوفيد 19 ، وهذا ربما يكون أشد فتكاً من فيروس المرض نفسه، وأوقعنا جميعاً في حيرة من الأمر، ففي الوقت الذي يتقيد فيه البعض بالعزل المنزلي والابتعاد عن نواقل المرض تؤثر الضغوطات النفسية الناتجة من توهم الإصابة به مع زيادة التركيز على تتبع وسماع الأخبار الناتجة عنه، وترويج الشائعات وتصديقها؛ رغم مطالبات حكومية وتأكيدات الأخصائيين الصحيين والنفسيين على أن الوعي المجتمعي والمعتقدات الكامنة في العقل الباطن لهما دور كبير في مواجهة الجائحة نفسياً؛ حيث لا تقل أهمية عن مقاومتها جسدياً، مؤكدين على ضرورة أن يكون لدينا نسبة مقبولة من القلق تعيننا على الالتزام والبعد عن مسببات هذا الوباء، مع التفكير بشكل إيجابي محاط بنفس مطمئنة تبتعد كلياً عن النظرة المتشائمة والتفكير السلبي. وإذا تحدثنا عن الوهم فإنه أصبح يسيطر وينتشر بيننا لأنه شعور طبيعي ينتابنا جميعاً. لكنه ينفصل ويشذ عن طبيعة البشرية إذا توهمنا أمور مبالغ فيها.. حينها -فعلاً- يتحول الوهم إلى مرض يضر بالإنسان جسدياً وفكرياً.
خلاصة القول إن الوباء جد خطير، والدواء عسير يتعذر على الغني والفقير، وتجنبه و زوال آثاره بالحكمة سهل يسير، فكل ما علينا فقط ألا نجعل تلك الأوهام والوساوس التي تنتابنا ونتوهم من خلالها شيئاً من أعراض كورونا عندما نسمع عنها ونتداولها، بيننا أن بعض هذه الأعراض تتوافق مع ما نشعر به ونجزم بأنها ثوابت، كما أنه لا يعني ذلك أن نتجاهل تلك الأعراض بل يحب أن يكون ذلك الوهم دافعاً قوياً إلى زيادة الحرص على اتباع كافة الإجراءات والاحترازات الصحية المناسبة لتجنب الإصابة بهذا الوباء والحد من انتشاره، وألا تسمح للوهم بالتحول إلى توتر وقلق لأنه -وبكل تأكيد- يساهم في زيادة وانتشار الوباء، فكما يقال إن الوهم نصف الداء، فحطم كأس الوهم، وكن مطمئن النفس، واثبت على الحق، واتبع الصراط المستقيم، وتحلَ بالصبر.
ثق تماماً بأن هناك جهوداً تبذل، وجنوداً مجهولين يعملون من وراء الكواليس يبحثون ويتباحثون ويضعون البرامج والخطط ولديهم من البدائل ما يكفي لحلحلة أي مشكلة قد تواجه تنفيذ برامجنا الصحية الأولية منها والعلاجية، وتوفير كافة المستلزمات الوقائية، وتشكيل لجان مسحية لتتبع مناطق انتشاره.
فقط ما عليك عزيزي سوى الالتزام بالتعليمات، والمساهمة في نشر الوعي الصحي، والتثقيف المجتمعي.