لا مفر منه
بدرية بنت حمد السيابية
حين يحين التعبير عن روحٍ غادرت بعيدة دون رجعة دون لمحة أو حتى نظرة عابرة، رحلت لتستقر مع خالقها ومن صورها بأحسن صورة، هي أمانة ورجعت لأصاحبها سبحانك ربي_ لولا النسيان لبكينا دهراً دون توقف مع كل ما يذكرنا بهم كل فقيد فقدناه، ظلت قلوبنا تتلفظ أسماءهم داخلنا دون توقف، اللهم لا اعتراض على حكمتك.
يظل الموت هو الحقيقة المرة بكل تفاصيلها يشمل الألم، والفراق، والحسرة، والدمعة الحارقة، وصورهم العابرة أمام أعيننا، يذهب البال بذكرياتهم لدرجة نفقد الحس الخارجي لمن حولنا وتكون ذكراهم فقط باقية راسخة في عقولنا، حقا شيء مؤلم جرح عميق يصعب شفاءه إلا بقدرة الله، نحاول ننسى ونتناسى ولكن ما زالت قلوبنا تنبض، وتنبض، والدمعة محبوسة بين أعيننا، وما لنا غير الصبر والدعاء لهم.
كل من فقد عزيز وغالٍ، عليه أن يدعو من رب العباد بأن يرحمهم ويغفر لهم ويسكنهم فسيح جناته، وأن يدرك بأن الحياة لا تتوقف عجلتها بل تسير نحو المجهول لا يعلمه سوى الله، ولولا نعمة النسيان لكنا بين الزُحام والطرقاتِ نبحث عن ما ينسينا جراحنا وهمومنا، الموت أصبح يخطف منا القريب والبعيد {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
“الموت”، لا مفر منه وكأس سيتذوق منه الجميع صغيراً كنت أو كبيراً، شاهدنا جنازة تلو الأخرى تخرج من بيوت أقاربنا وجيراننا والدمعة حبيسة الأعين والقلب قد ذاق مرارة فراقهم، مخنوقا بغصة الفراق للأبد وليس باليد حيلة سوى الدعاء لهم بالمغفرة، والصبر الجميل كصبر رسولنا الكريم عندما فقد أبناءه يبلغ عدد أولاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سبعةٌ من الذّكور والإناث، فله من الذّكور ثلاثة، وله من الإناث أربعا، ومن المتّفق عليه أنّ جميع أولاده من السّيدة خديجة بنت خويلد، إلّا إبراهيم فإنّه ابن السّيدة ماريّة القبطيّة، وجميع أولاده توفّاهم الله في حياته، إلّا السّيدة فاطمة فإنها توفّيت بعده.
عظم الله أجر كل من فقد غالٍ وعزيز على قلبه، فالدنيا قصيرة زائلة لا محال وكل ما نحن عليه الآن هو ابتلاء من رب العباد، “لو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيًا وباقيًا، ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى المعاصي والذنوب كما هي”الحمد لله دائماً وأبدا، رحم الله كل روحا غادرت دون رجعة، رحم الله كل من نفقدهم ونفقد ابتسامتهم وحديثهم ولمسات أيديهم، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ويبقى الأثر الطيب دائما يرافقنا بعد رحيلنا، اترك أثرا وبصمة طيبة يذكرك بها الناس من بعدك، ولا تغرنك الدنيا وما فيها اعمل صالحا، واجعل قلبك يردد اسم الله، واستغفروا دائما “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.