2024
Adsense
مقالات صحفية

نعمة النقص

خديجة المعمرية

دائماً ما يُداعب مخيّلاتنا الصغيرة تلك القصص الجميلة عن أيام الصغر وكيف تأثّرنا بها وتعلّمنا منها الكثير مِن الدروس والعِبر.
فقد كُنا نجتمع كلُفافات الموز على الشجر ونتحلّق حلقة دائرية، وننتظر بشوقٍ كبيرٍ ولهفة غير معهودة حكايات أمي الشعبية التي توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، إلى أن وصلتْ لنا لنرويها للأجيال من بعدنا. هنا كانت بداية تعلّمنا للأشياء من حولنا مِن خلال الاستماع ومناقشة محاور القصة ومَغزاها والأبعاد الثقافية والدينية والاجتماعية والأخلاقية التي تهدف إليها.
لقد نشأنا على تعلّم الأخطاء من الآخَرين، فليس بالضرورة أنْ أقع أنا في الخطأ أو أخي، يكفي أنْ نتعلم مِن أخطاء أبناء وبنات المجتمع.
تعلّمنا أنّ الغلَبة ليست للخير دائماً كما يصوّرون لنا في حكايات الرسوم المتحركة، ولكنّ الغلَبة لمن يملك العِلم والمعرفة.
ولكنْ للعِلم شروطه الخاصة، وأحد أهمّ شروطه هو عدم ادّعاء العِلم المطلق.

أقصد بالعِلم المطلق هو العلوم الغيبية مثل:
علوم الفلَك والنجوم والحياة وعلوم البعث والحساب، كلّها تُعتبر من العلوم الغيبية.

قال تعالى: “عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ” أي أنّ الله يعلم ما غاب عن حواسّكم من نواميس ما قبل وبعد الحياة، كبداية الخَلق والحياة، وما بعد الحياة كالموت وما بعده.

لم يصل إدراكنا يوماً ما إلى درجة الكمال ولن يبلغه إلى قيام الساعة وذلك لحِكمةٍ لا يعلمها إلا الله سبحانه. فنحن بشر قد خُلقنا محدودي التفكير فيجب علينا التأمّل والتفكّر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى دون التفكير بخالق هذه الأشياء لأنّ معرفتنا وإمكانياتنا محدودة ولن تصل يوماً إلى معرفة الغَيب.

كما أنه لا يحق لنا معرفة ما عجزت عقولنا عن إدراكه، فالعقل مِنحة وهِبة مِن الله سبحانه وتعالى ميّزه به عن بقية المخلوقات وجعل له إطاراً وهيئةً بالتفكير والتحليل مِن خلال المنطق والاتّزان بين العقل والقلب فلا يتعدّى التفكير عن حدوده الشرعية والفِطرية التي فطَره الله بها.
كذلك لا ينجرف القلب وراء ملذّات الدنيا ويقع في المَعصية.

فبرغم ما تتركه الخطيئة في نفْس المؤمن مِن ألمٍ وحسرةٍ على ما اقترف في حقّ نفسه إلّا أنها تُذكّره بعد يقظته مِن غفلة الذنب بدناءة خُلُقه حال وقوعه في الذنب فتُشعره بنقصه وتدفعه دوماً إلى التوبة ليس لتطهير نفسه مِن ذنوبه فقط وإنما قد تكون لنزع عُجبٍ خفي أصاب قلبه حين أثنى عليه فلان لطاعته أو لحُسن خُلقه فظنّ في نفسه الخير المطلق.

هي دعوةٌ صريحةٌ مني للمُداومة على مُحاسبة النفس، فلو تكشّف المستور وعرفنا إلى أين سينتهي بنا المصير. وقد علمنا على أيّ هيئة سيبعثنا الله يوم القيامة، وكلّ شخصٍ مِنّا عرف إلى أين ستنتهي حياته وطريقة موته، لأسرع في عمل الخيرات قبل موته بأيامٍ قليلة، وحرص على تأدية جميع الصلوات.

ولكن بقي موت الإنسان مِن ضِمن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده.
وهنا تكمن حِكمة الله في النقص الذي منحكَ إيّاه، فاحمَد الله دائماً وأبداً على نعمة النقص.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights