2024
Adsense
قصص وروايات

بيننا كورونا

لينا بنت زاهر الخصيبية

في ساعةٍ متأخّرةٍ مِن الليل بدا مُشوّشاً، فرَك عينيه بشدّة، كانتْ أمامهُ عدّة أبواب مختلفة الأرقام، مَشى مُترنّحاً باتجاه الباب المُقابل له، أدار مقبض الباب بسرعةٍ، وغطّ في نومٍ عميق.
ازدحامٌ شديدٌ وغير مألوف، جلستُ على أحد الأرصفة الموجودة في زاوية الشارع، وأنا ما زلتُ متأففاً مِن العمل الذي أمكثُ فيه خمسَ ساعات يومياً، أوراقٌ كثيرةٌ لا تنتهي على طاولة المكتب، الساعات بطيئة جداً إلى الحدّ المُملّ.
نهضتُ بتثاقلٍ إلى المنزل، ووجوهُ المارّين منها ما هو ينضحُ سعادةً ومنها المُكفهِرّ الذي تراكمتْ عليه هُموم الدنيا.
أطفالٌ من مُختلف الأعمار منهم مَن يُسابق دراجته، ومنهم مَن يسابق أخاه، بائع الحلوى وبائع الشاي وآخَرون، منهم يفرشون أقمشتهم على الواقفين على أعتاب دكاكينهم.
تناولتُ جريدةً اعتدتُ أخْذها من العمّ ياسر بعدما أخبرته بأنْ يحتفظ لي بواحدة، ذرّات غبار بدأتْ في المكان وهَبوبٌ ساخنة، تلفاز العمّ ياسر يُنبئ بوجود فيروسٍ قادمٍ سيقلب العالَم رأساً على عَقب، همستُ إلى نفسي بضحكةٍ خفيفةٍ بدتْ مَلامحها على شفتَيّ.
غططتُ في النوم مباشرةً بعد وصولي إلى البيت، لا، لمْ يكن كذلك، بل حاولتُ جاهداً، يبدو أنّ هذا الفيروس والذي يُعدّ التاسع عشر مِن فصيلته قدْ سمع ضحكتي بعدما همستها سراً.
نهضتُ مُتململاً، وفتحتُ الجريدة التي أخذتها دون أن أتصفحها، قلَّبتُ صفحاتها، فركتُ عينيّ، ” ظهور أول حالةٍ لفيروس كورونا (كوفيد 19) في البلاد”، قد كُتِبت بالخطّ العريض.
المذيع في أخبار الساعة الثالثة يشير إلى أنّ حكومة البلاد قدْ قامتْ بتعطيل العمل في كافة قطاعاته، ومُنع التنقّل بين المناطق.
“الحمد لله ارتحتُ مِن همّ العمل الثقيل”.
اليوم الأول، اليوم الثاني، اليوم الثالث، روتين مُملّ، الآن أحسستُ بقيمة عملي وأصحابي الذين كنتُ كثيراً أتشاجر معهم.
أصوات نادراً ما كانت تحدث في بيتي، الجميع هنا في نفس المكان الكبار والصغار، أصبح الطعام شهياً كثيراً مع طراوته، السعادة تتقافز على وجوههم؛ لوجودهم مع بعضهم ولانشغالهم ببعضهم بالرغم مما يحدث، فهناك وقتٌ طويلٌ ليرى كلّ واحدٍ الآخَر واهتماماته.
الهواتف تشعِل وميضاً شبه دائم تشير إلى “مكالمةٍ واردةٍ من …”، هناك تواصلٌ دائمٌ بين الأحبة والمعارف بعدما انشغل كلّ واحدٍ منهم في حياته الخاصّة.
عملي بدأتُ أنجزه وأنا في بيتي من خِلال التقنيّة الحديثة، فأصبح أسهل بكثييير.
مضى شهران وحالات كوفيد 19 تزداد، المنطقة التي يقطنها إخوتي قد تمّ عزلها عن بقية المناطق؛ لوجود نسبةٍ كبيرةٍ مِن حالات المرضى فيها.
“هل يُعقَل أنْ نكون تحت رحمة هذا الفيروس؟ وهل نحن لهذه الدرجة ضُعفاء لا نستطيع التغلّب عليه؟”.
في المساء قرّرتُ الخروج، تجوّلتُ في الشوارع القريبة، الأماكن خالية إلّا مِن القليل، جلستُ على أحد الأرصفة، ورجعت.
حاولتُ النوم، ولكنّ الكحّة باتتْ تزعجني.
في الصباح كانتْ هناك بعض الحُمّى في جسمي، أخذتُ البنادول، مشروب القرفة والزنجبيل، العسل والليمون، ولكنّ الحُمّى تشتعل في جسمي.
الهواء في رئتَيْ بدأ ينقطع، عيناي لمْ تستطيعا مُقاومة النَّوم ولكنهما لمْ يناما.
قالت: “سنضع عليه الأكسجين الصناعي، لعلّنا نستطيع إنقاذه”، ولكنّ جسمي لا يستجيب”، لا حول ولا قوة إلا بالله”.
رنّ الهاتف في جيبه، أخذه بتثاقُلٍ” سَعد، أين أنت؟ ما زلنا ننتظرك منذ البارحة”، قام مِن نومه بسرعةٍ، تحسّس جسمه”الحمد لله ما زلتُ بخيرٍ”.
خرج مِن الغرفة بسرعةٍ، “لا أصدّق، الغرفة CV-19″، ركض سريعاً وسريعاً.

” انتهــــى”

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights