بدأنا وعلينا أن لا نتراجع
سعد بن فايز المحيجري
بعد قرار إيقاف الدراسة من اللجنة العليا المكلفة ببحث التعامل مع جائحة فايروس كورونا المستجد في مدارس السلطنة في منتصف شهر مارس، بدأت مباشرة ولله الحمد الدروس التعليمية التقنية عبر تطبيق (DUO) لأحد أبنائي في التعليم ما قبل المدرسي، وهذا دليل قدرة المؤسسة التعليمية على التكيف مع الظروف الطارئة، وكيفية مواصلة العمل دون توقف في إشارة رائعة إلى استغلال الإمكانات والموارد المتاحة، وتهيئة العاملين -المورد البشري- للتعامل مع أصعب الظروف، وينبغي للكل الاستفادة منها.
قبل مدة من الزمن استمعت إلى محتوى صوتي (بوردكاست) تذيعه إحدى القنوات الرائدة في هذا المجال، وكان عنوان الحلقة (تكنولوجيا ينتظرها العرب في العقد المقبل)، العنوان جذبني على الرغم من أنني لست من هواة التقنية واقتناء كل جديد فيها، ولكن الإدراك التام بضرورة الإلمام بكل جديد فيها جعلني أستمع إلى الحلقة، كانت مذيعة البرنامج تتحدث عن تقنية الجيل الخامس، وكيف أنها بعد سنوات وربما هذه السنوات لا تتعدى أصابع اليد سيحل محلها (روبوت) ليقدم البرنامج، وكيف أن دكتورا يُنفذ عملية جراحية عن بُعد بفضل هذه التقنية، حقيقة لا أستغرب أن يصل العالم إلى هذا المستوى من التقدم؛ لأنهم يعملون على ذلك، وماضون في ذلك، في حين أننا لم نتهيأ لقبول هذا الكم من التقدم في ظل البيروقراطية التي نعاني منها، نحن ما زلنا نجادل شركتي الاتصالات في سعر الخدمات المقدمة، تلك الخدمات التي تقدمها بين مستفيق ومُغمى عليه، وإن استفاقت فهي تترنح بين السعر المرتفع والمحجوب الممنوع، ربما أتفق في شيء من الحجب الذي تفرضه الجهات المسؤولة على بعض التطبيقات؛ لأن مستوى الوعي المجتمعي لم يصل للدرجة التي تمكّنه من تجاوز مشكلات التقنية، وأبرزها الاختراق، الذي يجر خلفه الكثير من الويلات والمشكلات المستعصية من الاحتيال والابتزاز وعلى مستوى نخب فكرية متعلمة في المجتمع، لذا على الجهات المسؤولة أن تعمل على رفع المستوى المنخفض للوعي في المجتمع في طريقة التعامل مع هذه الوسائل التقنية، فالمستقبل رغم روعته المنشودة فهو مخيف في الوقت نفسه.
الجميع عاش تجربة الشورى الإلكترونية في وطننا العزيز قبل شهور، لن أتحدث إلا عن الصفوف المتراكمة من الناخبين التي استمرت لساعات حتى وصل الأمر إلى تمديد وقت الانتخابات، في الوقت الذي كانت فيه عملية الانتخاب إلكترونية، وحين نقول إلكترونية فالأصل أن تكون سريعة وفي وقت قياسي.
الواقع يفرض علينا أن نتوجه إلى التقنية في المجالات كافة، لا سيما التعليمي منها، فالوضع العالمي الراهن بات لا يستقيم مع الوسائل التقليدية في التعامل والتعاطي مع الأحداث، حتى وإن كانت تجري، ولكنها بلا شك تتأخر مراحل ومراحل، ومن شأن هذه المراحل أن تنقلك إلى مستوى أعلى كسبًا للوقت والجهد، فالوضع الحالي حتّمَ علينا أن نتعامل مع التطبيقات التعليمية شئنا أم أبينا، ليست هنا المشكلة، المشكلة أن السواد الأعظم من المورد البشري المطلوب منه أن يتعامل مع التطبيقات التعليمية من المشرفين والمعلمين وأولياء الأمور والطلبة لا يُدركون فقه التعامل معها؛ لذا بعد إطلاق مسمى هذا العام بعام التعليم المدمج فنحن أمام تحدٍ حقيقي في كيفية توجيه هذه الطاقات البشرية في فقه التعامل مع هذه النوعية من التعليم، خطوة عملية وجبارة، وكنّا نرجو أن تكون سابقة لهذا الوضع الذي أجبرنا على اتخاذها؛ لأننا سنكون حينها قد تجاوزنا مرحلة الصعوبات، ولكني على يقين تام أننا سنتجاوز هذه المرحلة على الرغم من كثرة التحديات التي ستواجه التعليم التقني، الأهم أننا بدأنا وعلينا ألا نتراجع مهما كانت المعوقات، فالجمع بين التعليم التقليدي والتعليم التقني بمسمى (التعليم المدمج) قرار يُحسب لأصحاب القرار في نظرتهم أن يكون الانتقال إلى التعلم الإلكتروني تدريجيا.
فعلينا أن نقف يدًا واحدة للوصول إلى الهدف المنشود، وأن تكون غايتنا واحدة نسعى جميعا للوصول إليها؛ خدمة لعمان ورفعة لشأنها.
والله الموفق..