السياقات الزمنية .. التغيير والتحول
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يبقى الزمن دائما خارج عن حساباتنا البسيطة المتواضعة، مما يوقعنا ذلك في كثير من المشكلات التي لا نحسب لها حساب، فبساطتنا وتواضعنا المعرفي؛ وإهمالنا وعدم اهتمامنا؛ كلها تفضي إلى أن يأخذ الزمن دورته الكاملة من غير ما ندري؛ وعلينا أن ندفع ثمن ذلك كله في نهاية المطاف، ولذلك نحن نحتاج إلى أن نجد توازنا دقيقا بين مجريات الزمن؛ وبين مجموعة الآليات التي نقوم بها من خلاله، فالتوفيق بين الطرفين شديد الحساسية، لخطورته على حياتنا اليومية، ولقدرة الزمن على الانسلال من روزنامياتنا اليومية، وذلك للدقة المتناهية التي يسير عليها الزمن، ولا نستطيع نحن في المقابل أن نجاري الزمن في هذا التسارع المحكم.
فلن تتولد القناعات، عن أي شيء؛ بين يوم وليلة، إلا من خلال حشرها في بوتقة الزمن، ولا تنضج التجارب الإنسانية كذلك إلا من خلال إعمال الزمن فيها، ومروره على تفاصيلها ودقائقها، ولا تكبر الخبرة بالحياة ذاتها إلا من خلال مباركة الزمن لها أيضا، ولذلك تنقضي الأعمار سريعا دون أن نحس بها، لأن عقرب الزمن، وإن كانت تسير سيرا منتظما دقيقا، إلا أن سيرها وصيرورتها ليس بطيئا بالقدر الذي نهمل فيه نحن أهمية الزمن.
إنها معركة قائمة منذ نشأة الخليقة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأكثر المخلوقات خسارة في هذه المعركة هو الإنسان، لأنه العاقل، ولإدراكه بهذا العقل يعي مقدار خسارته في هذه المعركة، ومع ذلك لا يعالج خساراته المتكررة، ولذلك وفي خضم هذه المعركة يأخذ الزمن دورته الكاملة دون توقف، أو استثناء، ولنا في حركة الكواكب، ومنها كوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه، أكبر العظة، فهل أحدنا يذكر أن الشمس لم تشرق في يوم من الأيام، أو لم تغرب في يوم من الأيام، وما ينطبق على الشمس، ينطبق على القمر وبقية الكواكب، فحركتها مستمرة، ومنتظمة وفق نواميس الكون التي أوجدها الله سبحانه وتعالى، يحدث هذا منذ بدء الخليقة، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا هذا المخلوق الوحيد، وهو الإنسان، فهو الذي يتلاعب بالزمن وفق أهوائه وما يمليه عليه تفكيره البسيط، ولأنه لن يستطيع أن يوقف حركة الزمن الخاضعة لناموس الكون كله، فهو في النهاية خسران، ويأتي ليصيح “يا ليتني … يا ليتني … يا ليتني ..”.
في واقعنا اليوم الكثير من الممارسات التي تتعالى على هذه السياقات الزمنية، ولذلك تكون النتائج خطيرة وكارثية، وقد سمعت مؤخرا أن هناك عمالة وافدة تعمل في الشأن الزراعي، حيث تسرع بفترة حضانة الإنتاج الزراعي من خلال استخدام مواد كيميائية تسرع من عملية إنضاج الفاكهة والخضار، عن دورتها الطبيعية المعتادة، ولكن ما هي النتيجة؟ النتيجة نقرأها ونعيشها على الواقع من خلال هذا الإنتاج السيء، والخطير من حيث تداعياته الصحية، واليوم نعيش ظاهرة أخرى، وهي الولادات المتكررة دون سن الحاضنة الطبيعية المعروفة (9) أشهر، حيث تكثر ولادات الـ (6) و (7) أشهر، وعندما تعلم بالمعاناة الناتجة عن هذه الولادات من حيث التجهيزات الطبية، والتداعيات الصحية للأم، والمعاناة النفسية لكافة أفراد الأسرة تصاب بالدهشة ويداهمك القلق، طبعا؛ في شأن هذه الولادات المبكرة؛ ليس هناك تدخلا مباشرا من قبل الإنسان لهذه الظاهرة بالذات، ولكن هناك ربما سلوكيات غذائية ومادية ومعيشية تكون عليها المرأة الحامل، فتكون النتيجة كما هي عليه اليوم، وهذا كله خاضع تحت هذه السياقات الزمنية التي لم تأخذ دورتها الكاملة في حياة المنتج، سواء كان منتجا آدميا، أو منتجا زراعيا، وقس على ذلك أمثلة بدأت تظهر على حياة الناس بسلوكياتهم الخاطئة في تعاملهم مع الزمن.