تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

كن رقما صعبا في الاختلاف

رقية الفورية

يُروى أن “يونس بن عبد الأعلى”، كان أحد طلاب الأمام الشافعي..
اختلف مع أستاذه الإمام “محمد بن إدريس الشافعي”، في مسألة ذات يوم فقام “يونس” غاضباً وترك الدرس، وذهب إلى بيته ..
فلما أقبل الليل.. سمع طرقًا على باب بيته ! فقال: من بالباب؟ قال الطارق :”محمد بن إدريس” فقال “يونس” : فتفكرت في كل من كان اسمه “محمد بن إدريس” إلا “الشافعي”.
قال: لما فتحت الباب. فوجئت به !، فقال “الشافعي” : يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرقنا مسألة!!.

يا يونس : لا تحاول الانتصار في كل الخلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف.
يا يونس: لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها فربما تحتاجها للعودة مرة أخرى.
إكره الخطأ، ولكن لا تكره المخطىء، انتقد القول، ولكن احترم القائل، فإن مهمتنا أن نقضي على المرض وليس على المرضى.
هذه نبل أخلاقهم في الاختلاف،،
مشهد فكري اجتماعي يركز على ثلاثة من أنواع الأدب، أدب الاختلاف، وأدب الحوار، وأدب النصيحة.
إن كنا نبحث عن التشابه؛ فنحن ذلك الشكل الذي لن يجد اكتماله.
وإن كنا نبحث عن الاختلاف؛ فنحن ذلك الشكل الذي نجده في ألعاب البازل عندما نبحث عن الشكل المختلف الذي يكمل كيان الجزء من الشكل وفكرته.

تزيد اللعبة متعة وتعقيدًا للكبار لتكملة تلك الأشكال المختلفة الكثيرة لنصل إلى جمال اللوحة الفنية، نعم إنه الاختلاف التكاملي، المتجانس في مكوناته مع الشكل الأصيل.
الاختلاف يظهر لك من يستحق وقتك ومن لا يستحق، فهناك من يجعلك تنحني له احترامًا، وقد يظهر لك ما في القلوب.
نحتاج في حياتنا إلى قوة الاختلاف وليس الخلاف أنه الاختلاف المتجانس، فلست مجبرًا أن يجبرني شخص على النظر من نفس ثقب الجدار الذي يرى منه، ومن نفس الزاوية فذلك لا يزيدني إلا جموداً.
فقوة الاختلاف أن يكون لديك آراء مختلفة وتفكيرا متباينا ليتحقق لك الفوز بأفكار جديدة أصيلة أو حلول لمشكلات أو السبر في أغوار حقائق البحث العلمي.
وإذ أن العادة المقيتة جرت على أن يخفي الصالحون والمفكرون أصواتهم فقد طغى على السطح الصوت الواحد ذلك الشكل المشوه غير المكتمل.

وفي عالم الأعمال جرت العادة أن آخر ما يفكر فيه الشخص المتزن والعاقل؛ أن يدخل في جدال مع زميل له في المكتب، و هو معه كل يوم ساعات طويلة، أو أن يدخل في جدل واختلاف مع مديره كي لا يخسر تلك العلاقة وتلك المودة والمحاباة فتعلو على السطح أفكاراً لا تعدو كونها هامشية.

إن كنت تفكر بمفردك أو كنت لا تتحدث إلا مع أشخاص يوافقونك الرأي، فأغلب الظن أنك ستجمع الكثير من الأدلة التي لا تؤيد إلا رأيك، وقد يفضي ذلك إلى جمودك الفكري وفرط الثقة العمياء بذات فكرك العجيب الذي يقيد بالأغلال قدرتك على الإنتاج الفكري.

ففي الاختلاف رحمة
فاختلافاتكم في العمل قد يتيح لكم الفرصة في إعادة تقييم ما تؤمنون به من أفكار مقارنة بالتي تخالفكم. وقد يسهم النقاش والاختلاف في تقوية حجتك لأنك ستحارب الحجة بالحجة، وهذا سيعينك على البحث ويقوي حجتك عن أدله تؤيد صحة آرائك في مواجهة الاختلاف مع الآخرين ولعل بحثك يعينك على تغيير قناعاتك ورأيك .

ويقول الكاتب جوناثان روش: “إن التحيز والتعصب والعناد، هي بواعث تدفع المرء للخروج بأفضل الأفكار. فأنت لا تريد أن تجلس على طاولة اجتماعات مع أناس غير مقتنعين تماما بأفكارهم. بل كل ما تريده هو أن يعرضوا آراءهم على الآخرين لمناقشتها، ثم تستغل الطاقة الناتجة عن قناعاتهم وتحيزاتهم وخلافاتهم في الإثراء الفكري”.

‏‎الاختلاف يبرز الجمال وقد تظهر لك بعض المشكلات وهي معوقات للتفكير كخلل معرفي، مثل ما يعرف بالانحياز المعرفي.. الذي يميل الشخص فيه للبحث عن تقوية حجته وآرئه وليس اكتشاف الحقيقة.
إن كنا متوجسين ونخاف أن نغضب من أن نتبادل معهم الآراء وبخاصة أولئك الذين نرتبط معهم بعلاقات طيبة فعلينا أن نرجع الموضوع كله للمقولة التي دائما نكررها عند الاختلاف “بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”.
وحالة الانقسام المجحف أثناء الاختلاف والذي يمارسه الكثيرون في القرى والمدن وبين الأفراد في الأسر والأصدقاء والمعارف والموظفين، لتصبح قوافل ردود وقصص وتبادل قذائف لكل من خالفهم الرأي معتدين بذلك على النمط والحوار السليم.
والإعلام الأصفر الكاذب الذي وضع أجندة خاصة لإثارة الفتن والخصام والكراهية يجد مناخه المناسب في الاختلاف الذي يصل للخلاف فيزيد على الطين بلة .. ويزيد من العراك الكلامي المشحون بالعداوة اللفظية، فيجعل من عبارة أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية يعد أكبر خدعة نعيشها فيقطع الود ويُظهر أن الاختلاف يفسد كل القضايا بالصراع، وعدم تقبل رأي الأغلبية بالإجماع يذبح جميع حبال الود .
قال عز وجل:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود:118-119]

وقد اختلف الصحابة في خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث اختلفوا فيمن تكون الخلافة: أفي المهاجرين أم في الأنصار؟ أتكون لواحد أم لأكثر؟ كما وقع الاختلاف حول الصلاحيات التي ستكون للخليفة، أهي الصلاحيات نفسها التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته حاكمًا وإمامًا للمسلمين، أم تنقص عنها وتختلف؟، حتى أوشكت فتنة كبرى أن تقع، لكن الرجال الذين تربَّوا في ظلال النبوة قد حكمتُهم آدابُها في سائر الأحوال: حال الاتفاق وحال الاختلاف، وفي سائر شؤون الحياة؛ لأنهم تحلَّوْا بكل خصال الحكمة والحنكة وأدب الاختلاف، والحوار العقلاني الهادئ القائم على إثارة أنبل المشاعر.
فأعقل الناس وأكثرهم خبرة واتزان في اتخاذ القرار من جمع عقول الناس معه لذلك أمركم شورى.
لنفهم أن اختلافنا في الرأي نتيجة طبيعية لاختلافنا في مستويات الفكر والفهم والثقافة والبيئة القادمون منها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights