2024
Adsense
مقالات صحفية

شبابنا والهوية المجتمعية

هلال بن حميد المقبالي

قد يتبادر إلى الأذهان أن المقصود بالهوية المجتمعية هي «بطاقة الهوية» أو «البطاقة المدنية /الشخصية»، التي تحمل أهم بيانات الفرد، من عنوان سكنه وتاريخ ميلاده، وغيرها من البيانات التي تدوّن على هذه البطاقة ألكترونياً أو يدوياً، وهذا خطأ كبير في المعنى، فالهوية المجتمعية هي مجموعة من الخصائص و منظومة من القيم التي يتبناها الفرد والمجتمع، والتي تكوّن أساسه الفكري، القَوليّ والفعليّ، و التي يمكن للفرد عن طريقها أن يُعرّف عن نفسه في علاقته بالجماعة التي ينتمي إليها، والتي تميّزه عن الأفراد المنتمين للجماعات الأخـرى، وهـذه الخصـائص لا تـأتي
مصادفةً، بل تتجمع عناصرها وتنطبع للمجتمع بشكل تراكمي بين الأجيال حالها حال القِيَم الاجتماعية الأخرى.

تؤكّد حقائق التاريخ الإنساني القديم والحديث أنّ الأمة لا تنهض إلا بسواعد شبابها، و على قواعد ثابتة من التمسّك بهويتها الاجتماعية الأصيلة، لأن هذه الهوية تلعب دوراً في تشكيل الشخصية الفردية وتحديد أهدافها في إطار معياري صحيح، وتدفع الفرد إلى فهم العالم من حولِه وتوسيع مدارِكه في الحياة وعلاقته بالآخَرين، لذلك كان الاهتمام بترسيخ وغرس الهوية من أولويات تنشئة الفرد.

تمرّ الهوية المجتمعية بتحولات جذرية، ودخول عالَم العولمة قد يكون الأساس في تلاشي أو ضمور هذه الهوية، وشبابنا هم الهدف الذي تستهدفة هذه التغيرات لأنهم أساس المجتمع وقلبه النابض، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة، وخُلُق سَيّء، فيُفسد الخلُق السّيّء الأخلاق الحسنة، فإياكم وعثرات الشباب”، فالشباب في هذا الوقت واقعون تحت تأثير ما يسمعون ويشاهدون من خِلال الأجهزة المرئية وانفتاح المجال لديهم على عدة ثقافات وقِيم مختلفة فقد تكون هذه الثقافات والقِيم مغشوشة أو مدسوس فيها ما يتعارض مع هويتهم المجتمعية، إذا لم يجد هذا الشاب المنهج السليم في إرشاده وتوجيهه، سوف ينحرف عن سلوك هويته المجتمعية، و يكون تحت تأثير هذه الثقافات أو الهويات الغربية، فيقلّد سلوكياتهم وتصرفاتهم، والتي تكون بعيدة كلّ البُعد عن هويتنا المجتمعية، وهنا يأتي دور الأسرة أولاً ، والمجتمع ثانياً، فدور الأسرة هو توجيه النشء، لِلحدّ من تأثيرات الانفتاح الثقافي العالمي في ظلّ ما يُسمى بالعولمة،وذلك من خلال زرع مبادىء وقِيم الهوية المجتمعية المتمثلة في التعاليم الدينية والسلوكيات الأخلاقية، والعادات والتقاليد الحسنة، فتنشئة الشباب على هذه القيم، سيكون السياج والأمان لتصرفاتهم، وكذلك يجب تحذيرهم وتنبيههم وحتى مراقبة ما يتابعوه من مخلّفات الإعلام الموجه لهم مِن قِبَل الغير لتدميرهم، فالشاب هو المستهدف الأول في هذا المضمار، ويأتي دور المجتمع من خلال الاهتمام بالأُسَر وتوفير مناهج دراسية تشمل تعميق الهوية الاجتماعية للحفاظ على قيمها الأخلاقية وعاداتها وتقاليدها الحسنة، وتختلف الهوية المجتمعية باختلاف المجتمعات، ولكن المبدأ المشترك بينها هو الحفاظ على هذه الهوية، وتجسيد قِيَمها.

إنّ غرس القيم في نفوس الناشئة يُعتَبر من أهم العوامل الداعمة لتعزيز الإحساس بالهوية المجتمعية والانتماء للمجتمع، فمن الضروري أن تتضمن القِيم الهوية المجتمعية في المناهج التعليمية، بأَبعادها وأشكالها المختلفة، حسب مستويات كل مرحلة تعليمية، لأن الخصوصية الثقافية المحلية تتصل اتصالاً مباشراً بجوهر الثقافة العربية والإسلامية، كمُكوّن أساسي للهوية المجتمعية.
الهوية المجتمعية، تقوم بتحريك السلوك وتوجيهه وتحافظ على تماسك المجتمع وبنائه الاجتماعي، والتّخلي عن قِيم ومبادئ الهوية المجتمعية، سيوجد الكثير من المشاكل التي تقلق المجتمع، و إن غياب الاهتمام الكافي بالبناء المجتمعي سيُنتج شخصيات مجتمعية هشّة غائبة عن الواقع نتيجة التقليد الأعمى لثقافات مجتمعية تختلف عن هويتنا المجتمعية. فتربية النشء على الهوية المجتمعة أصعب مما كانت عليه في الماضي، بسبب الانفتاح التام على الثقافات العالمية.

الهوية المجتمعية ليست بطاقة تعريفية إنما هي قيمة تتأكد من خلالها أحقية الانتماء إلى المجتمع، انتماءً فكرياً وعقائدياً، حضارياً وثقافياً، تاريخياً وسياسياً. وتفعيل دور الاسرة والإعلام والمدرسة لغرس قيم الهوية المجتمعية، هو السبيل الوحيد للحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights