لمــاذا؟
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
اليوم سَنُعطر هذا المَقال بِقِصّة فيها كثيرٌ مِن العِظات والعِبر، فقد روى الإمام الحاكم في مُستدْرَكِه وقال: هذا حديثٌ صحيح .. على شرط مسلم، أنّ ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: “أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرضًا، وأعطى أبا بكر أرضًا، فاختلفنا في عذق نخلة، قال: وجاءت الدنيا، فقال أبو بكر: هذه في حدي، فقلت: لا بل هي في حدي، فقال لي أبو بكر كلمة كَرهتُها ونَدِم عليها، فقال لي: يا ربيعة قُل لي مثل ما قلتُ لك حتى تكون قصاصاً، فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيراً، قال: والله لتقولنّ لي كما قلتُ لك حتى تكون قصاصاً وإلا استعديتُ عليك برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خير، فذهب أبو بكر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فهرعتُ خلفه، فقال أُناسٌ من أسلم: يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك، فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر هذا ثانيَ اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت؛ فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيغضب لغضبه؛ فيغضب الله لغضبهما، فيهلك ربيعة، قال: فرجعوا عني وانطلقتُ أتلوه حتى أتى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقصّ عليه الذي كان، قال فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: يا ربيعة ما لك والصدّيق؟ قال فقلت: مثل ما قال كان كذا وكذا، فقال لي: قل مثل ما قال لك، فأبَيتُ أن أقول له، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: أجلْ فلا تقُل له مثل ما قال لك، ولكن قُل: يغفر الله لك يا أبا بكر، قال: فولّى أبو بكر الصدّيق – رضي الله عنه – وهو يبكي”.
إن المحور الذي تدور عليه أحداث هذه القصة هو ما دار بين الصحابيَّيْن الكريمَين، ونظرتهما لذلك العذق الذي سبّب اختلافًا بينهما، لقد قال ربيعة أنّ السبب في حدوث هذا الأمر (وجاءت الدنيا) يعني أنّ السبب الرئيسي كان الالتفات لهذه الدنيا وزينتها، كأنّه يقول لنا لماذا الاختلاف والتنازع والتقاطع بين الأهل والإخوان من أجل مالٍ أو أرضٍ أو ميراث؟، كأنه يقول لنا: إلى متى تشغلنا هذه الدنيا عن أهدافنا السامية .. عن علاقاتنا فيما بيننا؟، وأنّ طَمع النفوس قد يدخل قلوب أعظم الرّجال وأتقاهُم، وليست المشكلة في عدم دخوله للقلب، وإنما كيف تكتشفه، وتتخلص منه، والندم عليه، وطلب الصّفْح في الحال.
المؤمن بِحُكم طبيعته يخطئ، لكن في نفسِ الوقت نَفسُه أوّابة، سريعة الإفاقة.
لذلك لن أنصحك بأنْ لا تخطئ لأنها طبيعتك، فلماذا تُصرّ على اختلافك وتنازعك مع الآخرين؟، أُمنيتي أنْ تتعلّم مِنَ العُظماء عندما تنزلق قدمك كيف ترجعها سريعًا.