السبلة ودورها الاجتماعي والتربوي
هلال بن حميد المقبالي
يُعَدّ وجود السبلة في السابق من أساسياتِ بِناء المجتمع، فهيَ الأساس في تطوّره وتَقَدُّمِه اجتماعيًا، تربويًا وأخلاقيًا، وأينما وُجِدتْ السبلة وُجِد العِلم في كُلّ القرية والقرى المجاورة لها، فكان دَور السبلة أو بما يسمى الآن (المجلس العام) دَورًا حَيَويًا في المجتمع، فكانتِ السبلة عَمود القرية الذي يَلجأُ إليهِ الجميع، فهي الاستراحة مِنْ عَناءِ العمل، وهي المَلجأ لِلضَّيف والغريب، وعابِر السّبيل، وهيَ قاعةٌ لِلّقاءات والاجتماعات، والحِوار والنّقاش، وهيَ البرزة للصُّلح والتوافق ونَبذِ الخِلافات، وهي المَحكمة في فَضِّ الخِلافات وحَلّ المُشكلات، ومُحاسبة المُخطئين، وهي القانون في مُراعاة الحُقوق وحِفظها، وهيَ المَدرسة التي تُعلِّم النّاشِئة عُلوم القرآن الكريم والحديث الشريف و آداب اللّغة العربية، وترسيخ المبادىء والقِيَم الاجتماعية والانسانية، وهي الأخصّائي الاجتماعي المُراقب والمُرشد المُوَجّه لِسلوكيات الأفراد وتقويمها، وهي المِنبَر المُوَحّد لِصوت الأهالي وتضاُمنهم، حتى أصبحت السبلة العُمانية نموذجًا مُجتمعيًا مُتكاملًا له سياسَته وسِيادتهُ التكامُلية في بَقاء المجتمع مُتماسكًا متعاونًا مُنظّماً، فالسبلة سابقًا كانتْ المَرجع الأسمى لكُلّ شيء.
و السبلة ليستْ هي البرزة -كي لا يَختلط الأمْر على البعض – فالبرزة هي نظام الحُكم في عُمان قديمًا، حيثُ كانت البرزة بِمثابة الدّوائر الحُكومية في الولايات وتكون في المكان الذي يتواجَد فيه مَنْ يُمثّل الحكومة قاضيًا كانَ أو واليًا، سواءٌ كانَ ذلك المكان قلعةً أو حِصناً أو بيتًا، ولا تنعقِد البرزة إلا بتوجيهات مُمثّل الحكومة الذي يتولّى شؤون البلاد.
كانت السبلة العُمانية كفيلة بصَقْل أخلاق النّاشئة و تعميم مبادىء وقِيَم وعلاقات المجتمع، وتعاملهم مع الناس مِنْ خِلال النّصائح والتوجيهات التي يتلقّونَها مِن الكِبار، وكذلك مُشاهدتها عَلانِية مِنْ خِلال تواجُدهم مع الكِبار في السبلة، وهُنا يَتمّ تَوجيههم لأَدَقّ التفاصيل، فالسبلة في حَدّ ذاتها مَدرسة يَنهل مِنها الناشئة و الكِبار العِلم ومعاني الأخلاق، والتعاون، وكذلك كانت المكان الأنسَب لِحَلّ القضايا والمشاكِل في المُجتمع الذي تُمثّلُه.
لَعِبتْ السبلة العُمانية دَورًا مُهمًا وبارزًا في حياة أفراد المُجتمع في غرس رُوح التآلُف والتكاتُف والتعاون والقِيَم الأصيلة والعادات العريقة، وهي في حَدّ ذاتها الأساس التنطيمي للمجتمع مِنْ جميع جوانِبهِ الإنسانية وقِيَمَهُ الدِّينية، وتَعامُلاته الاجتماعية، حتى أنّ السبلة العُمانية أثَّرَتْ في المُجتمعات المَدينية، وكانَ كِبار السِّنّ يقولون لِمَنْ لا يُجِيد التّصرّف في بعضِ الأمور:
“ما رابي في السبل”، دلالةً على مَكانَة السبلة في بِناء مَنظومة التّعامُل والتّعاون والتّعليم في المُجتمع.
إنّ غِياب دَور السبلة التّعليمي، قدْ أرهَقَ كاهِل العائلات في تعليم أبنائهم لِلقِيَم المُجتمعية المُتعارَف عليها، وأدناها (تغنيم القهوة)، وبعضهم تَجاهَل هذهِ السِّمات مِمّا أدّى إلى انْحِدارٍ تامٍّ لِهذهِ السِّمَات في بعض التجمُّعات السُّكّانية، ولَعَلَّ ضريبةَ التمَدُّن أدّتْ إلى فِقدان ذلك.
افتقدَتِ السبلة العُمانية للمبدأ الأساسي الذي أُنشِأتْ سابقًا لأجْلِه؛ وهو تقويم السُّلوك رَغم وُجود السبل (المجالس العامة) وَكِبَر حَجمِها ومساحتها، والتي تَنْتَشِر في أغلَبِ القُرى بالولايات، إلّا أنّ دَورها اقتصر على اجتماعات الأفراح و الأتراح، وغُيّبَ دَورها الأساسي في بِناء مُجتمعٍ مُتماسِكٍ في قِيَمِهِ وعاداته وضَبْط سُلوكِ أفرادِه على الثقافة الدينية والمجتمعية، فمتى سَتعود السبلة العُمانية إلى ما كانتْ عليه مِن جَماليّات وُجودِها في المجتمع، لِكي نَحْظى بِجِيلٍ تَعَلَّم في المَدارِس والجامعات و انْغَرَسَ بِمبادىء وقِيَمِ السبلة.