الحب الحقيقي
إلهام بنت سالم السيابية
أتساءَل وتُخالجني حِوارات كثيرة مَع نَفْسي لا تنتهي، ومنها لماذا نُحِبّ؟ وما هو معنى الحُبّ؟ قيل لي ذاتَ مَرّة أنّ الحُب جُنون، والجُنون بالنسبة لي هَلْوَسَةٌ ذاتية، أتخيل فيها الكثير منَ المُتناقضات والخَيالات التي أخاف أو أهرب منها أو التي أحبها، إذَنْ ما معنى الحُب؟
قال بعض الفلاسفة: إنّ الحُب حَياة، فنحن نعيشها بِبَهجتها وفرحتها وحُزنها وألَمها، نعشق الحياةَ ونخاف منها! أي أنّ الحياة أنْ نعيشَ الشيء ونقيضهُ.
تكالبَت الأحاديثُ عن الحُب وأفعالِهِ ومُسمّياتِه، هذا يقول هيام وَوَلَه، وذاكَ يقولُ عِشقٌ وصبا، وآخر يقولُ شغفٌ وصَبوة، والآخر يُتمِّمُ بأنّها وجْد وجوى، وكلماتٌ كثيرةٌ تَندرج لمعنى الحُب. فأخَذْتُ على نفسي عهدًا ألّا أتحدَّثَ إلى أحَدٍ حتى أَصِلَ لِمعنى الحُبّ الحقيقيّ، فكانتْ أيامًا طويلةً ولكنها مُفعَمة بالأحداث لِأنها أخذتْني لِعدّة مَحطاتٍ في حياتي ووجَدْتُ نفسي أتأمَّل وأشْعر بِما كان عندي وما فقدْتُه، ولكلِّ تلك اللحظات التي بَقِيَتْ في نفسي وذاكرتي تَجرّعْتُ معنى الحُب، وتلذَّذْتُ بطعمِهِ ولا زِلتُ استذوقهُ وكأننِي اشتَمُّ رائحةَ طَبخةٍ تفوح رائحتها في الهواء الطَلْق فأسْتَنشِقُ تلكَ النَسماتِ بِلذّةٍ وشَوق وكأنني أستطعِمُهْ، أجَلْ عرفتُ أنّ الحُب عطاء، أجل عطاء، لكلّ مَنْ حولك بلا قيود، ولا شروط ولا التزام، ولا سيطرة، ولا ذلّ، ولا غضب، ولا تنتظر المقابل، فالأمّ تُعطي الحُبّ ليظلّ الحُب مستمرًا مع ابنها ليزرعهُ في أبنائهِ ويسقيهمْ ماتهذّبَتْ به نفسه لأنه تشبّع بالعطاء فأصبح يُسامح، ويسمع كل ما يقوله الآخرون ويُنصتُ بقلبِه لِما تُريد أنْ تصل أنتَ إليه، ولكنّ حُب الأمّ هو غريزة، أي طبيعة، متأصلة في النفوس، هنا نأتي للحُب الحقيقي الذي أبحث عن خباياه، حُبٌّ غير مُزيف لا تحكمُه ظروفٌ أو أسبابٌ وإنما يحكمُه الحُبّ ويصنعه الحُب. هل عرفته؟ سأدلك عليه، فكل واحد منّا أخَذ رشفةً مِن هذا الحُب لأنّه اختاركَ وسخّركَ وسهّل لكَ كل شيءٍ لتحبه فهل أحببتهُ مثلما أحبك، لقدْ سَتركَ حينْ عصيته، وصبرَ عليك حينَ هجرته، وتحمّل هفواتك ونزواتك وأمهلَك لتعودَ لرُشدك وتتفَكر وليقولَ لكَ كمْ يحبك فهل أنصَتَّ بقلبك؟ وفتحت عقلك واسترجعت نفسك، فالنفس هي ذات الحُب لأنها نفختْ وشكّلتْ من ربّ العِباد هدية عظيمة تتجلّى عظمتها على العقول والقلوب ولكن لا نقول إلا أننا أخطأْنا معاملة هذا الحُب، ولكننا نقول خير الخطائين التوابون، فلْنستشعِر الحُب والعودة لِمَنْ نُحبّ لأنه لا يريدنا إلا أنْ نخلوا مِنَ الذنوب والخطايا كما ولدتنا أمهاتنا.