رفيق الطريق
إلهام بنت سالم بن سعيد السيابية
تنهد حمد بعمق وهو يتأمل الظلام الدامس من حوله فلا إنارة على الطريق ولا ونيس يجاريه ويسايره أثناء سفره وحيدًا، توقف في المحطة لملء خزان الوقود. خرج قليلاً من مركبته ليحرك قدميه، لقد قطع أكثر من نصف الطريق ولم يبقَ إلا القليل، فالمسافة ما تزال بعيدة والجو بارد جدًا، انتفض من شدة البرد وأحكم تدفئة جسمه بجاكتيه الجيشي الجلدي، وأخذ ينفخ بيديه المتجمدتين فأحس بقشعريرة قوية لتدب الحياة في أوصاله. توقفت مركبة أخرى بجانبه ونزل منها شيخ كبير مودعا وشاكرا لمن حمله وَأوصله ودعا لهم بسلامة الوصول، إلا أنه توقف بجانب حمد وهو يسأله عن حاله ووجهته، وأخبره أن سيارته تعطلت وتركها في الخلاء ليعود إليها في يوم آخر، فوافق حمد لإيصال الشيخ لوجهته ومنها يجد الرفيق فيستأنس به، فركبا معا بعد أن تزودا ببعض المؤونة للتسلية. بعد مسافة قصيرة وحديث طويل مع مرافقه (العم سلمان)، شعر حمد بأمر غريب يحدث معه، لقد شاهد من مرآته الأمامية امرأة متسترة بلباسٍ أسود تجلس في الكرسي الخلفي له، فأحس بارتجاف قدميه مما خفف من سرعة المركبة، فسأله العم سلمان عن السبب فأعاد ذلك لقيادته الطويلة وإرهاقه وتعبه الشديد، فتأمله العم سلمان بعيني ثاقبتين لامعتين وهو يسأله: ألا تخاف أن تسافر وحيداً كل هذه المسافة؟
فقال بثقة: الله الحافظ.
والنعم بالله، سبح الله وكبره في نفسه ثم بدأ بقراءة المعوذتين وتكرارها وترديد آية الكرسي وبعض آيات التحصين فأحس براحة كبيرة عند اختفاء المرأة من خلفه ومع ذلك استمر يحادث العم سلمان بكل هدوء الذي أخذ ينصحه بعدم السفر وحيداً بالليل، فرد له الحديث: ولكنك مسافر ليلا مثلي.
لو لم تتعطل مركبتي لكنت الآن في سبات عميق على فراشي بعيداً عن أعين قطاع الطرق والمجرمين والسحرة والجن والمشعوذين.
فضحك حمد وهو يقول:
“اللهم اجعل كلامنا خفيفا عليهم”.
ضحك العم سلمان وهو يضرب بعصاه على أرضية السيارة وهو يقول قف قريبا من هذا البيت، لاحظ حمد شيئًا غريبًا!! أن قدمي العم سلمان ما هي إلا حوافر حمار!!! فارتعشت يديه وتثاقل لسانه وتعرق جسده، فتوقف عند البيت المذكور وهو يتنفس بقوة من شدة الدهشة، فسأله العم سلمان أن ينزل ويقيم عنده تلك الليلة، ولكن حمد استأذنه بأنه قد تأخر على أهله وأن بيته قريب يبعد مسافة قصيرة فاستودعه الله وسلم عليه، فرد عليه السلام وهو يقول له: في حفظ الرحمن.
فعاد حمد لسلك طريق العودة لبيته، وَلا يعرف كيف وصل بتلك السرعة، فدخل البيت وسجد سجودا طويلاً حمدا وشكراً لله لسلامة وصوله وحفظه من كل مكروه وعودته سليما لأهل بيته.