2024
Adsense
قصص وروايات

سأحقق الأمل ولو طال الزمن

بقلم : إلهام بنت سالم بن سعيد السيابية

حاولت رحيمة أن تتراجع عن مواجهة زوجها فهو في حالة هستيرية وغضب واضح ، أمسكها من شعر رأسها وهو يصرخ بوجهها:
-أنت؟؟ أنت تفعلين كل ذلك من ورائي!! كيف؟؟ أين كنت أنا طوال تلك السنين؟؟
حاولت أن تمتص غضبه وهي تمسك بيديه ليخفف قبضته على فروة رأسها قائلة:
كنت أخبرك دائماً ولكنك نادراً ما تسمعني لأنك تكون في حال غير هذه الحال، ولا أنسى أبداً أن الفضل الأول والأخير لك، فلولا غيابك عن البيت لما استطعت الوصول لما وصلت إليه من نجاح وتميز.
ولكنه بادرها بغضب:
-أنا لست إمعة، كان عليك إخباري بكل مايجري معك.
خانتها الكلمات وهي تبكي بحرقة، وهل كانت تستطيع أن تخفي عليه شيء إن كان يشاطرها الجلوس في البيت؟! ، ولكنه ما إن تشرق الشمس ويخرج للعمل لكسب الرزق لا يعود إلا بعد منتصف الليل متعباً مرهقاً، ومتمايلاً من كثرة الخمرة التي أخذت بلبه، فيرمي بنفسه على كنبة البيت ويغط في نوم عميق حتى الصباح، ليبدأ عمله بيوم جديد وهكذا.
لقد كان أبو رحيمة (سامحه الله) بعقلية قديمة فهو يرى أن المرأة مكانها الصحيح بيت زوجها، وإن جاء من يرضى به زوجاً لابنته زوجها بدون أن يعود لها برأي، فأخرجها من فصول الدراسة وهي في سن الثانية عشرة من عمرها برغم بكائها الشديد وخوفها الأعظم من حياة جديدة لا تعرف كيف ستكون ، فصور لها والدها الزواج راحة واستقرار، كم كان أبوها قاسياً، لم تكن تستطيع أن تقول لا، ولا أن تقف في وجهه؛ وزوجها سعيد رغم حنانه وحبه الشديد لها إلا أنه كان ضعيف الشخصية ولم يكن يخطو أمراً بدون مشورة أمه، فما لم توافق عليه لم يأخذ به، وبعد أن أكملوا السنة على زواجهما أصرت أمه على الذهاب للأطباء لمعرفة سبب عدم حمل رحيمة، وكلام الأطباء لم يلقى لديها إذن صاغية، لا شيء يمنع الحمل ولكن الفتاة ضئيلة الجسم، وصغيرة السن والأمر بيد الله.
ولكن رغبتها في رؤية حفيدها، جعلها تصر على تزويجه من أخرى، وبالفعل تزوج الزوجة الثانية على رحيمة التي أخرستها المفاجأة، ورضيت بواقعها غصباً عنها، ولكن الزوجة الثانية كانت غيورة، ومتمردة ومتذمرة على رحيمة فلم تعد حياتها الزوجية كما تخيلتها، وبسبب كثرة تصنع الزوجة الثانية المشاكل معها اضطر زوجها لإعادتها لبيت أبيها حزينة مكسورة الخاطر ومعها ورقة طلاقها، ولبثت مع أبيها مدة سنة كاملة وبعدها زوجها لصالح، شاب، موظف ولديه مركبة تاكسي يقوم بقيادتها طوال اليوم وآخر الليل يعود تعباً مخموراً، فوجدت فراغاً كبيراً في حياتها، فلا زوج يؤنسها في وحدتها، ولا طفل يشغلها ويغير حياتها، فبحثت لها عن ما يشغلها، في نفس الوقت طلبت منها جارتها مساعدتها في عملها كمربية أطفال في مدرستها الخاصة القريبة من بيتها، لا يكلفها الأمر إلا مشياً على الأقدام، فالمسافة قريبة جداً فوافقت برحابة صدر، وعندما تنتهي من عملها تعود للخوف الذي ينتابها كلما دخلت البيت، فهو موحش بظلمته وسكونه ليس به صوت ولا همس، فلديها وقت لتستغله بما يرضيها، ففكرت بالعودة لصفوف الدراسة، وبدأت بالفعل باستكمال دراستها التي تركتها وهي في الثانية عشرة من عمرها لتعود إليها وهي ابنة الثامنة عشرة في صفوف لمحو الأمية، ولم تتراجع عن قرارها بل ثابرت على العلم وكأنها تلتهم الكتب التهاماً، لا ترويها صفحة ولا ورقة، فما زالت صغيرة وحب العلم يسري في دمها. وتنقلت رحيمة من الإعدادية للثانوية وانتهت منها بمعدل متفوق لم تحلم به ويؤهلها لدخول الكلية، كل ذلك وزوجها لا يسألها ولا يحادثها، يصبح الصباح ويعود آخر الليل هذه حياته.
بادرها بصوت غاضب:
كيف استطعت أن تخفي عني كل هذه الأمور ، عملك؟ دراستك؟ والآن تريدين أن تلتحقي بالدراسة في الكلية! ، لو كنت إنسانة بأحاسيس ومشاعر كنت طلبت الطلاق منذ وقت طويل بسبب إهمالي لك، ولكنك أحببت الصمت، أحببت الذل والهوان، أحببت أن يشعرك الجميع بالشفقة وأنك مسكينة وضعيفة وزوجك هو الرجل الشرير، اللعوب، المخمور، كل الصفات السيئة فيه لما تقبلين العيش معه؟! ، لا تريدين العيش مع أباك، لأنه تزوج بعد وفاة أمك فتاة صغيرة وجميلة، ذلك العجوز حصل على امرأة جميلة، وأنا حصلت عليك أنت!
ولم تكتفي بالخصام مع أبيك، بل خاصمت أخاك أيضاً الذي تزوج إمرأة أجمل منك.
أجل تركت زيارة أباها وأخاها؛ كل ذلك لأن زوجها حاول أن يتغزل بزوجاتهم ولأنهن أحرار لم يقبلن بذلك فرفضن دخوله للمنزل، أما هي فمرحب بها متى شاءت ولكنها فضلت عدم الذهاب لكي لا تسبب الإحراج لأي أحد.
ما سبب تمسكها به كل تلك السنوات الماضية؟! ، هل هو حباً؟! ، ابتسمت عندما لاحت لها تلك الفكرة في مخيلتها، الحب!، لم تعرف له معنى إلا في بيت أبيها، وبين أحضان والدتها التي ماتت وهي توصيها بالرجوع لزوجها، وتحمل هفواته وغلطاته ، خافت أن تعود لأبيها فيزوجها بآخر، تذكرت المثل القائل :
(ظل رجل ولا ظل حائط)
لن تكذب على نفسها وتقول لم تشعر إتجاهه بأي مشاعر الحب، فهو زوجها، َولم تكن سنة أو سنتين بل الآن سبع سنوات من عمرها بلا ذرية، فصالح رغم عيوبه إلا أنه زوجها سترها وغطاها، ولكنها تريده أن يعرف بنجاحها وطموحها، فكان الخبر عليه كالصاعقة، وصراخه، وغضبه شعلة نار أكلت كل سنين العمر التي قضتها معه. طلقها وأعادها لبيت أبيها ولكن هذه المرة عادت قوية لم تسمح لأبيها أن يزوجها بل عادت لإكمال دراستها، التي أنهتها بتفوق ونجاح وتميز، ولحبها الشديد للكتب أقامت في منطقتها مكتبة كبيرة لمحبي القراءة، وتعود إليها كلما رغبت في الهدوء التام وبعيداً عن ضجيج أبنائها الذين رزقها الله بهم من زوجها محمد الذي أحب فيها طموحها ورغبتها في إثبات وجودها ولم يرفض عملها كمحامية في القطاع الحكومي، بل ساعدها لإنجاح زواجهما وتحقيق السعادة الحقيقية في حياتهما.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights